صوارم الأقلام  في نقض الشبه والأوهام

صوارم الأقلام في نقض الشبه والأوهام

  • بواسطة مؤتمر الأمة --
  • الجمعة 13 جمادى الأولى 1435 00:00 --
  • 0 تعليقات

صوارم الأقلام

في نقض الشبه والأوهام

(1)

بقلم أ د حاكم المطيري

12 جمادى الأولى 1435هـ

13 مارس 2014 م

الحمد لله وكفى وصلى اللهم على النبي المصطفى وبعد ..

فهذه أجوبة مختصرة عن أسئلة واستشكالات، أثارها عدد من الكتاب حول (الحرية أو الطوفان) وكتاب (تحرير الإنسان)، وبعضها منشور في مقالات منذ سنوات، ولم أرد عليها آنذاك لا تجاهلا لها ولا استخفافا بها، وإنما احترام للعلم والمعرفة إذ (من ألف فقد استهدف)، فمن تصدى للتأليف فعليه تقبل النقد برحابة صدر، لولا أن عدم الرد - كما ثبت لي لاحقا - قد حال بين ما في هذه الكتب من حق وصواب، وبين جيل من الشباب، الذي يثق بهؤلاء الكتاب، وكان بعضهم يعاتبني على عدم الإجابة عن تلك الأسئلة، فكان جوابي بأن من قرأ كتابي عرف خطئي من صوابي!

فقالوا لي: وهل تظن أن شباب تلك الجماعات سيقرؤون كتبك، ويقارنون بينها وبين ما كتبه هؤلاء الكتاب!

وهل نسيت بأن بعض هذه الردود كان الهدف من تأليفها أصلا هو تحصين الجماعات لشبابها وأتباعها حتى لا يتأثروا بما جاء في كتبك من الدعوة للخطاب الراشدي المنزل الذي يناقض ما تدعو إليه هذه الجماعات منذ سنوات، وما تقرره من أصول هي نتاج مرحلة الخطاب المؤول بل المبدل، حتى يبرروا اصطفافهم مع الأنظمة الوظيفية!

وقد تأكد لي ذلك بعد ذلك، حين أخذ يزورني بعض الدعاة وطلبة العلم الذين اعترف بعضهم أنه لم يقرأ كتبي إلا حديثا وأن الذي صرفه عنها طوال هذه السنين ما كان يروج له بعض كتابهم بأن د حاكم (ليبرالي تنويري)! أو (خارجي تكفيري)!

وقد كان أخبرني بعض الشيوخ والدعاة المشاهير بعد صدور كتابي (الحرية أو الطوفان) بأن وزارة الداخلية في بلدهم شكلت لجنة من عدد من المتخصصين للرد على كتبي لمواجهة هذا الفكر الجديد! وقد وجدوا أن منع الكتب لم يجدِ نفعا لتوفرها على شبكة النت، فاستعانوا ببعض جماعاتهم وكتابهم الذين يشاطرونها الخوف نفسه من هذا الفكر للرد عليه!

فانبرى من انبرى للرد منهم حسبة - بالدفع الذاتي - ذودا عن جماعته وفكره وعقيدته، ومن انبرى استجابة لتوجيهات حكومته، فأغرقوا ومنذ سنوات شبكات التواصل بطوفان من الردود والشبهات والافتراءات بالكتب والمقالات والتغريدات، فلم يكن لي حول ولا قوة على مواجهة هذا الطوفان وصده، ولا كشف زيفه ورده، وإنما كنت أتسلى بقول الله تعالى {قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا}!

ولا يضيرني بحمد الله النقد العلمي لكتبي مهما كان النقد شديدا، فمن وافقني على وجوب إحياء الخطاب الراشدي وسننه في الحكم وسياسة شئون الأمة، فلا مشكلة عندي فيما وراء ذلك من الأخذ والرد والنقد، غير أن أكثر ما كتب من ردود هي افتراءات وأكاذيب تدخل في سياق الحرب الإعلامية، لا الدراسات العلمية النقدية، ولو اشتغلت بالرد عليها لما فرغت لنفسي!

ولقد بلغ كيد الملأ وسخطهم مداه حتى صدرت أحكام قضائية على عدد من المصلحين في الدول الخليجية وكان في حيثيات بعض أحكام المحاكم عليهم تجريمهم لمجرد استضافتهم د حاكم المطيري الخارجي، أو إعادة تغريداته في التويتر!

كل هذا السخط لا لشيء إلا لأننا ندعوهم للإصلاح والعدل!

إذا رضيت عني كرام عشيرتي .. فلا زال غضبانا علي لئامها

فتواطأ الملأ منهم وبعض قضاتهم على هذه الحرب، ومالأهم بعض كتابهم على ما بين السلطة وبينهم من خلاف ظاهري إلا إنهم تآمروا وجمعوا كيدهم خوفا على مكانتهم كما قال فرعون للملأ {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى. قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكما المثلى. فأجمعوا كيدكم ثم أتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى}!

ولم نسمع من شيوخ هذه المدرسة ولا من دعاتها كلمة حق تدفع عنا بعض أذى كتابهم ولو من باب رد الجميل والمعروف إن لم يكن دينا فمروءة وشهامة!

فقد كان لنا بحمد الله مواقف مشهودة - كما في صفحة المشكاة التي كنا ننشرها ما بين عام 1994 - 2002م، وفي وسائل الإعلام وعبر إصدار البيانات من التنظيمات والمنظمات الحقوقية وإلى اليوم - في الدفاع عن شيوخهم ودعاتهم حين كانوا في السجون يواجهون ما يواجهون، فلم يكن منبر يدافع عنهم في الخليج إلا صفحة المشكاة والحركة السلفية التي كنت أمينها العام من سنة 2000 إلى 2005 م ثم حزب الأمة الذي تصدى في بياناته للدفاع عنهم وعن المظلومين في كل دول الخليج على اختلاف جماعاتهم ومذاهبهم وطوائفهم عملا بحديث (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصرة المظلوم)، حتى إذا خرج بعضهم من السجون وجمعت المصالح من جديد بينهم وبين أولياء أمورهم في مواجهة التغيير، إذا هم يرمون في خندق أولياء أمورهم من دافع عنهم بقوس واحدة، خوفا كما زعموا على دولة التوحيد والسنة! وهي الدعوى التي طالما زج بهم وبإخوانهم بسببها في السجون ولله في خلقه شئون!

ونربأ أن نكون وإياهم كما قال زهير بن أبي سلمى :

ومن يجعل المعروف في غير أهله ... يكن حمده ذما عليه ويندم

أو كما قال الآخر :

ومن يجعل المعروف في غير أهله ... يلاق الذي لاقى مجير أم عامر

فلما جاء الله بالثورة العربية فإذا هي تسقط مع عروش الطغاة أفكارا وعقائد طالما حالت بين الأمة والتغيير، فإذا الغشاوة التي رانت ومنذ سنوات تنجاب عن عقول الشباب خلال أشهر من الثورة، وإذا الشباب يبحثون عن (الحرية أو الطوفان) وعن (تحرير الإنسان)!

وكان أكثر اعتذار الشباب لي، وعتابهم علي، أنهم وثقوا بشيوخهم وكتابهم، ولم يكن لنا في المقابل عناية بالإعلام المضاد كما ينبغي خاصة في الرد على كل شبهة تطرح حول الخطاب الراشدي!

وقد بدأت هذه الأيام موجة ثانية منظمة مبرمجة تشنها حكومات خليجية على كتبي وعلى (مؤتمر الأمة) وعلى (أحزاب الأمة) وعلى مشروعها وما تؤمن به من ضرورة استعادة مفهوم الأمة الواحدة من جهة، واستعادة مفهوم الخطاب الراشدي في الحكم وسياسة شئون الأمة به ووجوب بعثه من جديد من جهة أخرى، وضرورة قيام دول وحكومات راشدة تحكم به بالعدل والعلم، وبدا الهجوم واضحا في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وكان وقود هذه الحرب الإعلامية المنظمة تلك المقالات القديمة التي تجاهلتها آنذاك وربما كتبها أصحابها عن حسن قصد، فإذا هي توظف اليوم من قبل تلك الحكومات وسدنتها في حرب هوجاء يراد لها أن تكون مقدمة لما بعدها من اجراءات قمعية ظنا منهم - والظنون كواذب - أن مكرهم في مصر قد آتى أكله، وأنهم قضوا على الثورة العربية في بدايتها ونسوا سنن الله في الطغاة، وكيف يستدرجهم ويملي لهم ويذرهم في طغيانهم يعمهون، حتى إذا أخذهم لم يفلتهم، وسوف يعلمون!

وقد كان أشد ما يواجهه الشباب الإسلامي الذين يتطلعون للإصلاح والتغيير هو ما يقال لهم من شيوخهم ومنظري جماعاتهم إن (الحكومة الديمقراطية) التي رضيت بها بعض الجماعات الإسلامية كفر! وإن (الحكومة الراشدة) التي يدعو لها (مؤتمر الأمة) خيال ووهم! دون أن يقدموا لهم البديل للتغيير مما يعني تكريس الأنظمة الوظيفية القائمة على قهر شعوبها بحماية من الاحتلال الأجنبي!

واستجابة لرغبة الشباب وطموحهم الوثاب في كشف زيف تلك المقالات وما ورد فيها من شبهات يروجها اليوم جيش إعلامي منظم مستأجر - لصد الأمة عن دينها الحق الذي أمرها الله ورسوله بالتمسك به، وبما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون كما في قوله تعالى {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى}، وقوله صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) - جاءت هذه الرسالة لكشف زيف تلك المقالات من جهة، ولبيان ما ندين الله به من جهة أخرى، بغض النظر عن توجه كتابها وقصدهم أرادوا الخير أم أرادوا الغير، فالله يتولى السرائر وهو يتولى الصالحين..

الفصل الأول :

الإجابة عما استشكل على الشيخ علوي عبد القادر السقاف فيما نشره في شبكة طريق السنة في نقده لكتاب (الحرية أو الطوفان) بتاريخ 11 جمادى سنة 1434ه :

الاستشكال الأول : قال السقاف (القول بأنه لا دين إلا بدولة وأن الدولة غاية وهدف قول غير صحيح، ولا ينبغي أن يرد على التفريط بالغلو، فكم من الأنبياء والمرسلين أقام الله بهم الدين ولم تقم لهم به دولة.. بل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أقام الدين في مكة 13 سنة ومن توفاه الله في هذه المرحلة من أتباعه هل نقول إنه مات على دين ناقص..)!

الجواب عن هذا الاستشكال من وجوه :

الوجه الأول: يرى الشيخ السقاف أن هذه العبارة غلو وباطل مع أنها عبارة الخليفة الراشد عمر الفاروق نفسه حيث قال كما في سنن الدارمي (يا معشر العرب إنه لا إسلام بلا جماعة، ولا جماعة بلا إمامة، ولا إمامة بلا طاعة)[1]!

فما هو الفرق بين عبارة عمر (لا إسلام بلا جماعة وإمامة) وعبارتي التي استلهمتها من عبارته الراشدة (لا دين بلا دولة) فالدين هو الإسلام، والدولة هي الجماعة والإمامة والطاعة!

فالفاروق عمر ينفي كما نفيت أنا اتباعا له أن يقوم دين الإسلام بلا أمة ودولة!

وليس مراد عمر قطعا نفي الإسلام كتوحيد وإيمان وعمل قد آمن به المؤمنون في مكة قبل الهجرة، وإنما مراده الإسلام بشموليته بعد الهجرة وكماله كشرائع وأحكام سياسية لا يمكن لها أن تقوم ولا توجد بلا دولة وإمامة!

وهذا ما صرحت به في (الحرية أو الطوفان) تحت هذا الأصل حيث قلت (ومعلوم أن أكثر الواجبات لا يمكن أداؤها على الوجه الأكمل، بل لا يمكن أداؤها أصلا، إلا في ظل دولة تحكم بالإسلام وتحوطه، وتقيم شريعته وأحكامه،كالزكاة، والجهاد، والأمر بالمعروف، والحدود).

ودعوى الغلو التي يدندن حولها هذا الفريق من الدعاة والكتاب شماعة يواجهون بها كل من خالفهم الرأي حتى من أصحابهم وأكابرهم سابقا، فالناس عندهم بين غلو وتفريط وهم دائما الطائفة الوسط!

وهو غرور كم أودى بهم وبمن سبقهم من الجماعات التي عزلت نفسها عن الأمة وشعوبها فكريا وشعوريا حين استروحوا لمثل هذا الظن الكاذب بأنهم (الطائفة المنصورة) (والفرقة الناجية)!

فالسقاف يفتتح نقده لكتاب (الحرية أو الطوفان) بقوله (لا ينبغي أن يرد على أهل التفريط بالغلو) ليلقي في روع القارئ ابتداء أنهم كما هو ديدنهم سدنة الوسطية وحماتها منذ صدر كتاب (الحكم بغير ما أنزل الله وأهل الغلو) الذي انتهى بهم إلى الركون إلى الذين ظلموا والتخندق في خندق الأنظمة الوظيفية باسم السنة والوسطية!

وقد تكرر هذا في كتاباتهم وأدبياتهم حتى صارت سمة لهم، كما سيأتي كثيرا، وإذا هم يقعون فيما وقع فيه أهل التصنيف حذو القذة بالقذة!

فلا تكاد تقرأ ردا لواحد منهم على مخالف لهم في الرأي، حتى يفتتح رده بتصنيف المخالف أولا قبل الشروع في نقد الفكرة، لينفث في روع قرائه ما يعينه على إقناعهم ليصطفوا معه في معركته حمية وعصبية جاهلية قبل البدء بالنقد الذي قد لا يكون علميا ولا موضوعيا ولا مقنعا، فيكون التصنيف للمخالف عدتهم على مواجهته، ولو بسخيف المعقول وضعيف المنقول!

الوجه الثاني: لا يقاس الإسلام الخاتم لكل الرسالات على غيره من الأديان، إذ جعل الله لكل نبي شرعة ومنهاجا، وقد نص أئمة الإسلام على هذه القاعدة العظيمة في دين الإسلام من التلازم بين الإسلام والدولة والخلافة، كما ذكرته في (الحرية أو الطوفان) حيث قلت:

(وقال القرطبي (لا خلاف في وجوب ذلك - إقامة الإمامة - بين الأمة ولا بين الأئمة.. فدل على وجوبها وأنها ركن من أركان الدين الذي به قوام المسلمين).([2])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض،ولابد لهم عند الاجتماع من رأس؛ لأن الله أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر من أوجبه ما الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة).([3])

وقال الإمام الغزالي (السلطان ضروري في نظام الدين ونظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري للفوز بسعادة الآخرة، وهو مقصود الأنبياء قطعًا، فكان وجوب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه).([4])

وقال ابن حزم (علمنا بضرورة العقل وبديهتهأن قيام الناس بما أوجبه الله من الأحكام عليهم في الأموال والجنايات، والدماء، والنكاح، والطلاق، ومنع الظلم، وإنصاف المظلوم، وأخذ القصاص ممتنع غير ممكن – أي دون إمام – وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها، فإنه لا يقام هناك حكم حق، ولا حد، حتى ذهب الدين في أكثرها، فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد، أو أكثر).([5])

وقال الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ ( لا إسلام بلا جماعة، ولا جماعة بلا إمامة).([6])

وفي قول ابن حزم عن الإمامة (لا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد)، وقول ابن تيمية (لا قيام للدين إلا بها)، وقول القرطبي عن الإمامة إنها (ركن من أركان الدين لا قوام للأمة إلا بها)، وقول الشيخ عبد اللطيف(لا إسلام إلا بجماعة وإمامة)،كل ذلك يؤكد صحة القول بأنه لا يقوم دين الإسلام ولا يستقيم إلا بقيام الدولة، وأن تديّن الناس وصلاحهم في أنفسهم، لا يقتضي قيام الإسلام وأحكامه،كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة، فقد كانوا خير أهل الأرض دينا وإيمانا، ولم يقم الإسلام ولم تظهر أحكامه إلا في المدينة، فثبت بذلك أن الإسلام في حقيقته دين ودولة) انتهى كلامي في الحرية أو الطوفان.

فهنا صرحت بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو وأصحابه في مكة أكمل أهل الأرض دينا وإيمانا، فلم أنف الدين بهذا المفهوم ولم أقل بأن دينهم ناقص كما توهمه السقاف وأوهم قراءه معه، وإنما نفيت ما نفاه عمر بأن دين الإسلام بعد نزول الشرائع والأحكام وكمال تشريعاته لا يقوم إلا بدولة وإمامة!

الوجه الثالث: أنه لو لم أصرح في كتبي بمرادي ولو لم أذكر هذه النصوص الصريحة عمن سبق من الأئمة وسلف الأمة لما ساغ الاستدراك والاستشكال هنا إذ عبارة (لا دين) كما هو معلوم عند الأصوليين والنحويين والبلاغيين نافية للجنس، وهي تفهم بحسب السياق فتارة نفي للوجود، وتارة نفي للصحة، وتارة نفي للكمال، كما في حديث (لا إيمان لمن لا أمانة له) وحديث (لا صلاة بحضرة طعام) ونحوها، فالوقوف عندها واستشكالها وتحميلها ما لا تحتمل من المعاني غير مقبول في النقد فضلا عن وصف هذا القول بأنه (غلو وغير صحيح)!

الوجه الرابع: زعم السقاف بأني قلت بأن إقامة الدولة هدف وغاية وعد ذلك غلوا وقولا غير صحيح! وساق نص كلامي وحذف منه ما ينقض شبهته!

وسأورد النص الذي نقله من كلامي وأضع إشارات خط تحت العبارات التي حذفها السقاف ليوهم القراء بصحة استنتاجه!

قال السقاف (هناك بعض المآخذ على المؤلف - د حاكم في كتابه الحرية أو الطوفان - نذكر أهمها في هذه العجالة فمن هذه المآخذ قوله ص 13 (ضرورة الدولة للدين، وأنه لا دين بلا دولة: فقد تجلى مبدأ ضرورة قيام الدولة، وأن الإسلام دين ودولة في هذه المرحلة؛ إذ لا يتصور أن يكون الإسلام الرسالة الخالدة للإنسانية، والشريعة الكاملة التي ارتضاها الله للبشرية، دون دولة تتجلى فيها أحكام هذه الرسالة وتقام فيها الواجبات والحقوق والحدود التي تصون هذه الحقوق. وقد أكد القرآن ضرورة الدولة في آيات كثيرة كغاية وهدف؛ كما في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} [النور : 55] . وكذلك أكد ضرورة الدولة كوسيلة لغاية أخرى؛ كما قال تعالى : {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [الحج : 41]، ومعلوم أن أكثر الواجبات لا يمكن أداؤه على الوجه الأكمل – بل لا يمكن أداؤه أصلا – إلا في ظل دولة تحكم بالإسلام وتنفذ شريعته كالزكاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود.. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ضرورة ... وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم على تحقيق هذه الغاية وهو في مكة، فكان يخرج إلى القبائل في المواسم يبحث عمن ينصره لتحقيق هذا الهدف الذي هو أيضًا وسيلة لأهداف أسمى، تتمثل في إقامة الدين والعدل الذي جاء به القرآن... فقد كان خطاب النبي صلى الله عليه وسلم السياسي لهم واضحًا، وأنه يهدف إلى إقامة دولة، وقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه البيعة لإقامة الدولة والدين معًا؛ إذ لا يتصور إقامة الدين لله دون دولة تقوم بهذه المهمة، وقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أن يحقق هذا الهدف الرئيسي الذي سيسهل مهمة إقامة الدين كله لله... وهذا أيضًا ما يؤكده مبادرة الصحابة - رضي الله عنهم - بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسم موضوع الخلافة في سقيفة بني ساعدة قبل دفن جسده الشريف، وما ذلك إلا لإيمانهم بهذا الأصل وإدراكهم لهذا المبدأ الرئيس؛ إذ لا تفسير لهذا التصرف على هذا النحو إلا هذا التعليل، وهو ضرورة إقامة الدولة بحسم موضوع الإمامة والسلطة، والمحافظة عليها من أجل إقامة الدين والمحافظة عليه.

وما هذه المبادرة لحسم هذا الموضوع إلا دليل على مدى وعي الصحابة - رضي الله عنهم - السياسي وفهمهم لطبيعة هذا الدين وأنه دين ودولة.. ولا يتحقق ذلك القسط إلا بإقامة دولة تحقق هذا الهدف) انتهى النص كما نقله السقاف من كتاب (الحرية أو الطوفان) حاذفا منه كل العبارات التي تحتها خط!

فالسقاف ادعى أنني جعلت من الدولة بحد ذاتها غاية وهدفا، وحذف كل هذه العبارات التي تحتها خط - والتي تؤكد أنها أيضا وسيلة لغاية أسمى وهو إقامة الدين - لأنها تنقض دعواه من أصلها وتكشف زيفها!

ولا يتصور أن كل هذه العبارات الست سقطت سهوا بلا قصد! وهي عبارات تامة وفيها استشهاد بآية قرآنية صريحة الدلالة على الغاية من التمكين وهو إقامة الدين!

فهل من الأمانة في النقل حذف هذه العبارات كلها من نص واحد! وكلها فيها تأكيد على أن الدولة في الإسلام وسيلة لهدف أسمى وهو إقامة الدين والعدل الذي جاء به!

وهذه هي العبارات الست التي حذفها السقاف من كلامي عامدا سأوردها لبيان خطورة التدليس والقص واللزق الذي مارسه لغرض في نفسه :

1- (وكذلك أكد ضرورة الدولة كوسيلة لغاية أخرى؛ كما قال تعالى{الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}).

2- (فكان يخرج إلى القبائل في المواسم يبحث عمن ينصره لتحقيق هذا الهدف الذي هو أيضًا وسيلة لأهداف أسمى، تتمثل في إقامة الدين والعدل الذي جاء به القرآن).

3- (فقد كان خطاب النبي صلى الله عليه وسلم السياسي لهم واضحًا، وأنه يهدف إلى إقامة دولة، وقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذه البيعة لإقامة الدولة والدين معًا؛ إذ لا يتصور إقامة الدين لله دون دولة تقوم بهذه المهمة).

4- (وقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة أن يحقق هذا الهدف الرئيسي الذي سيسهل مهمة إقامة الدين كله لله).

5- (وهو ضرورة إقامة الدولة بحسم موضوع الإمامة والسلطة، والمحافظة عليها من أجل إقامة الدين والمحافظة عليه).

6- (وما هذه المبادرة لحسم هذا الموضوع إلا دليل على مدى وعي الصحابة رضي الله عنهم السياسي وفهمهم لطبيعة هذا الدين وأنه دين ودولة).

فكل هذه العبارات الست التي حذفها السقاف تؤكد أن الغاية الأسمى من الدولة في الإسلام هو أن يكون الدين كله لله - وليست هدفا في حد ذاته كما نسبه السقاف لي ثم أخذ يناقشني فيه - وهذا ما لا يريد السقاف أن يطلع قراؤه وأتباعه عليه، لأنه يريد أن يصل بهم كما يروج هو وبعض أتباع مدرسته بأن د حاكم (تنويري ليبرالي) لا يهمه إلا الحرية لا الدين وإقامته، أو (خارجي تكفيري) من أهل الغلو لا يهمه إلا الثورة والسلطة!

فإما إن السقاف قرأ الكتاب حقا فتجنب ذكر هذه العبارات الصريحة التي تفسر مرادي، أو أنه قرأها فلم يفهمها على وجهها مع وضوحها وجلائها كالشمس في رائعة النهار، أو أنه لم يقرأ الكتاب أصلا وإنما جيء له بقصاصات مجتزأة من سياقها وطُلب منه الرد، فأخذته الحماسة فتصدى للرد والنقد قبل التثبت والفهم!

وربما أراد الشيخ السقاف أن يمهد للقراء بالبدء بهذه القضية ونقدها وتصنيف د حاكم في خانة أهل الغلو ليسهل بعد ذلك تفسير عباراته - كما يقتضيه السبق الإعلامي بالإيحاء - على نحو قد لا تحتمله بل وعلى نقيض مراد د حاكم نفسه!

وهذا ما سيتأكد في باقي الاستشكالات مما ينفي احتمال طروء الوهم وسوء الفهم، ويؤكد سوء القصد في مثل هذا الحذف المتكرر ست مرات في الصفحة الواحدة!

فهو يريد تأكيد أصل طالما قررته هذه المدرسة لأتباعها - مع كونه حقا أريد به باطل - بأن التوحيد هو الأهم والعناية به هي الأوجب، فلا يشغل الدعاة أنفسهم في موضوع الدولة وإقامتها!

مع أن التوحيد الذي عرفه الخلفاء الراشدون بمفهومه الشمولي ومنه توحيد الله في الأمر والحكم والتشريع والطاعة مرتبط بالدولة والإمامة كما أجمع عليه الصحابة منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واختيار الخليفة الأول الذي نص في أول خطبة له على أصول النظام السياسي الإسلامي وواجباته وغاياته التي تتجلى فيها حقيقة الإسلام والتوحيد الذي جاء به (أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)!

وعلى كل حال فمهما وجد السقاف من عذر لعمر الخليفة العبقري، وابن حزم الظاهري، والقرطبي المالكي، وابن تيمية الحنبلي، والغزالي الشافعي، في تفسير عباراتهم السابقة فهو عذري!

ومهما اعتذر السقاف عن سوء فهمه لعباراتي، فلا عذر له في سوء نقله وحذفه عامدا ست عبارات - في النص نفسه الذي نقله موهما القراء أنه أمين في النقل - تفسر كلامي بكل وضوح، وأن الدولة في الإسلام ليست هدفا في حد ذاتها، بل هي هدف لغاية أسمى وهو إقامة الدين والعدل الذي جاء به وأن يكون الدين كله لله!

الاستشكال الثاني: ثم قال السقاف (ثم ما المقصود بالدولة التي هي ضرورة للدين عند المؤلف، أهي الخلافة العظمي التي ينضوي تحتها المسلمون كلهم في جنبات الأرض؟ أم هي الدويلات المتفرقة بالمفهوم المدني الحديث؟ هذا أمر يحتاج إلى تفصيل وإن كان يشير في كلامه أنه يريد الخلافة العظمى، وهذا أمر صعب المنال، ولم يقل قائل بأن أحكام الدين تتوقف على إقامة الخلافة العظمى إذا لتعطلت كثير من أمور الدين)!

والإجابة من وجوه :

الأول : كون الدولة والإمامة ضرورة للدين ليس قول د حاكم وحده فقط كما يدعي السقاف! بل هو صريح قول الأئمة جميعا كما أوردت في عباراتهم السابقة، وكما نص عليه الغزالي وابن حزم! فإيهام القراء بأنه قول خاص بحاكم مدخل يريد منه الوصول بالقراء إلى نتيجة مفادها أنه قول مبتدع ليس من أقوال أهل السنة ودعاة الوسطية! ليسهل تصنيف المؤلف بعد ذلك وهو ما روج له أصحاب هذا الرأي كما سيأتي!

فكان الواجب على السقاف أن يناقش عبارة عمر أولا، ثم عبارات هؤلاء الأئمة ثانية، ويثبت للقراء بأن المشكلة ليست معهم، بل مع فهم د حاكم لعباراتهم!

الوجه الثاني: لا حاجة للأسئلة التي طرحها السقاف حول مرادي بالدولة وهل هي الخلافة أم الدول المعاصر التي أقامها (سايس بيكو)!

فكل من قرأ كتبي يعرف ما الذي ندعو إليه وهو صريح قولي في الصفحة نفسها التي ذكرت فيها أصل (لا دين بلا دولة) بل وفي أول سطر حيث قلت في (الحرية أو الطوفان) (فلا قيام للإسلام بلا أمة واحدة، ودولة واحدة تقوم به وتنصره، وتحوطه وتحميه، وتذود عنه، وتقيم أحكامه،كما في الحديث الصحيح (إن هذا الدين لا يصلح إلا من أحاطه من جميع جوانبه)، وهو ما يستفاد من مبادرة الصحابة قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم للسقيفة)!

فهل قرأ السقاف هذا النص فحذفه كما هي عادته؟ وكيف أشكل عليه مرادي بالدولة؟ وما الداعي لاستدراك السقاف على نفسه بعد ذلك وقوله (هذا أمر يحتاج إلى تفصيل وإن كان يشير في كلامه أنه يريد الخلافة العظمى)!

فالسقاف يرى صريح عباراتي التي تدل دلالة قطعية على مرادي حيث قلت (فلا قيام للإسلام بلا أمة واحدة ودولة واحدة) فيحذفه من النقل، ثم يتكلف الاستدراك ويتبرع بالدفاع عني بقوله (وإن كان يشير في كلامه أنه يريد الخلافة)!

فصارت الألفاظ القطعية بدلالاتها مجرد إشارات تلقطها السقاف باجتهاد وحياد حتى لا يظلم د حاكم ويقوّله ما لم يقل، بعد أن بتر النص وحذف أوله!

فكان كالقاضي الذي يرفض النظر في أدلة براءة المتهم مع وضوحها وثبوتها استخفافا بالقضاء وأصوله، ثم يصدر عنه عفوا من عنده ليؤكد مدى حرصه على العدل!

هذا مع أن قول عمر (لا إسلام بلا جماعة) دليل صريح على وجوب وحدة الأمة وحرمة تفرقها وهو شعار أهل السنة والجماعة، الذين يؤمنون بوحدة الأمة والخلافة، وبطلان تعدد الدول، كما فصلت في القول في كتابي (أهل السنة والجماعة والأزمة السياسية)!

الوجه الثالث: ثم لم يقتصر السقاف على هذا التضليل للقراء فجاء بطامة هي أكبر من أختها حيث بدأ يقترب شيئا فشيئا من هدفه الذي يحوم حوله هو وأصحاب هذا الرأي منذ سنوات ويخفونه ولا يبدونه حيث قال (وإن كان يشير في كلامه أنه يريد الخلافة العظمى، وهذا أمر صعب المنال، ولم يقل قائل بأن أحكام الدين تتوقف على إقامة الخلافة العظمى إذا لتعطلت كثير من أمور الدين)!

فالسقاف يرى بأن حاكم المطيري إن كان يريد بالدولة الخلافة فهذا أمر صعب المنال! وأحكام الدين لا تتوقف على الخلافة! وإن كان يريد الدول المدنية الحديثة.... وهنا سكت السقاف فجأة ولم يكمل الاستدراك!

والسؤال ما الذي يريد السقاف قوله هنا ولم يستطع التصريح به!

هناك عدة احتمالات :

1- يحتمل أنه أراد أن يقول إن كنتم تريدون الخلافة فهي مستحيلة، وإن كنتم تريدون الدول الحديثة فهي لا تحتاج لقاعدتكم (لا دين بلا دولة) وقاعدتكم (لا إسلام بلا دولة) لأنها دول إسلامية!

2- ويحتمل أنه يريد أن يقول الخلافة مستحيلة، وبما أنها هي الدولة في مفهوم الإسلام ولا يعترف الإسلام بغيرها، فالدعوة إليها في هذا العصر صعبة المنال، وأما الدول الحديثة فحتى لو أقامت الدين فهي دول مدنية، فلن يتحقق مراد د حاكم وفي كل الأحوال ما يريده مجرد وهم وخيال!

3- ويحتمل أن السقاف يريد أن يقول للقراء بما أن الخلافة مستحيلة فليس أمامنا إلا الدول الحديثة فهي التي يجب إقامة الدين فيها دون التوقف على وحدتها وعودة خلافتها لصعوبة تحقق الهدف!

4- ويحتمل أنه يريد عدم الاشتغال أصلا في الموضوع، فالخلافة شبه مستحيلة، والدول المعاصرة واقع يجب التعامل معه، فيمكن أن نقيم الدين وأحكامه ونحقق التوحيد وغاياته دون قيام خلافة ودون وجود دولة أصلا!

وكل هذه احتمالات واردة وسأدعها لعل في كلام السقاف وأصحابه كما سيأتي ما يجلي لنا مراده!

أما مرادي أنا فقد تحدثت هنا عن أصول الخطاب السياسي الإسلامي المنزل كما هي وأنه لا إسلام ولا دين إلا بدولة واحدة وأمة واحدة عبرت الخلافة عنها كنظام سياسي عرفه المسلمون منذ عهد أبي بكر الصديق حتى سقوطها في الحرب العالمية الصليبية التي أقامت هذه الدويلات الوظيفية - التي يريد السقاف وأتباعه تبرير العيش في كنفها فلا حاجة للحديث عن موضوع الخلافة لأنه أمر مستحيل، ولا حاجة للحديث عن الاشتغال بالدولة لأننا نستطيع أن نقيم الدين ونحقق التوحيد كما فعل الأنبياء السابقون الذين لم يمكن الله لهم - أما كيف تعالج الأمة واقعها اليوم فقد تركته إلى آخر الكتاب حين تحدثت عن الخطاب المبدل حيث غابت الخلافة وتعطلت الشريعة فقلت في (الحرية أو الطوفان) (وهكذا فرض الخطاب الجديد - المبدل - نفسه لا بقوة الحجة والبرهان، بل بقوة السيف والسنان للأنظمة التي صنعها الاستعمار على عينه، ونفخ فيها من روحه، ورضعت من لبانه، ومدها بقوته، فلم يخرج الاستعمار إلا بعد أن شكل خطابًا سياسيًّا شرعيًّا، وإسلامًا جديدًا لا شريعة إسلامية فيه، ولا دولة تحكم به وتقوم على حمايته، ولا جهاد يذود عن حياض الأمة ودينها وحقوقها ومصالحها، ولا حرية ولا كرامة لشعوبها، فتم تعميم تجربة الانقلاب العسكري في تركيا على أقاليم الخلافة الإسلامية في جميع أقطار العالم الإسلامي، فإذا جميع الانقلابات كأنما خرجت من جحر واحد، وشربت من إناء واحد، فإذا كلها على اختلاف أنواعها تجمع على التمسك بهذا الخطاب السياسي المبدل، وتجيش له العلماء، وتسخر له جميع وسائل التربية والتعليم والإعلام، حتى شب عليه الصغير، وهرم عليه الكبير، وحتى لا يكاد يجد من أكثر علماء الأمة من رفض أو نكير)!

ثم دعوت في آخر الكتاب إلى الإصلاح والتغيير بكل وسيلة سليمة أو ثورية وأن كل ما تقرر للأمة من حقوق وما عليها من واجبات في ظل الخلافة والاجتماع، يتقرر لشعوبها كذلك في ظل دول الافتراق، ولا يتعطل الإصلاح لغياب الخلافة بل يجب إقامة ما أمكن من أحكام الإسلام وسنن الرشد في الحكم وتحقيق الممكن من العدل والقسط والإصلاح..الخ

فلا يحتاج السقاف لطرح كل هذه الأسئلة والاستشكالات في دراسته النقدية مع أن كتبي ومنها (الحرية أو الطوفان) و (تحرير الإنسان) و (الفرقان) و (أهل السنة والجماعة والأزمة السياسية) و (نحو وعي سياسي راشد) و(السنن النبوية في الأحكام السياسية) كلها جاءت أصلا للإجابة عن هذه الأسئلة نفسها، فإما إن السقاف لم يقرأها أصلا فاستحل نقدها قبل قراءتها دع عنك فهمها واستيعابها ليتسنى له نقدها كما يقتضي ذلك العلم ومنهجية أصول النقد، أو قرأ الكتب ولم يفهمها، أو فهمها وحذف ما يبطل دعاواه وما أكثرها! وأراد من ذلك إيهام القراء بوجود إشكالات فيه، تستوجب الاستدراك عليه، ليصل إلى غايته في صرف أتباعهم عنها وتحصينهم بعبارة (راجع رد السقاف على كتب د حاكم يغنيك عن قراءتها)!

وعلى كل حال فما السر يا ترى في بدء السقاف نقده لكتاب الحرية بهذه الشبهة حول (لا دين بلا دولة) ولم مارس كل هذا التضليل للقراء والحذف والتدليس والرمي بالغلو في قضية إن لم تكن إجماعية عند سلف الأمة والأئمة وأهل السنة والحق فيها مع د حاكم، فلا أقل - على الأقل - من الاعتراف بأنها قضية خلافية يسوغ فيها تباين الرأي والاجتهاد ويسع د حاكم أن يبدي فيها رأيه ويظل مع ذلك في دائرة أهل السنة والوسطية لا دائرة أهل الغلو؟!

وما هي أزمة هذه الفئة من الكتاب الذين يعيشون عقلية الوصاية على الأمة وجماعاتها وكتابها فلا يصدر كتاب حتى يبادروا لا لمناقشته ونقده، بل لتصنيفه وتصنيف مؤلفه ومحاكمته وإصدار حكم الإعدام المعنوي عليه وتصفيته فكريا، كما يفعل أهل الغلو في تصفية مخالفيهم جسديا!

ويضعون في مواقعهم الإلكترونية قوائم للكتب التي تم تصنيفها ليحذر أتباعهم منها!

فيغتال هؤلاء الأفكار والكتب وأصحابها معنويا كما يغتال أهل الغلو مخالفيهم جسديا! بما يشبه تماما ما كانت تقوم به محاكم التفتيش وكهنة الكنائس بإصدارها أحكام القتل تارة والطرد من ملكوتها تارة أخرى!

ولم اقتحم السقاف يا ترى كل هذه المزالق الخطيرة ؟

وما السر وراء ذلك كله؟

هذا ما سنحاول بإذن الله كشف القناع عنه لفهم أبعاد هذه القضية فما زال للحديث بقية..


 

[1] رواه الدارمي في السنن ح رقم 257- أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا بقية حدثنى صفوان بن رستم عن عبد الرحمن بن ميسرة عن تميم الدارى عن عمر. ورواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم رقم 244 من طريق معاذ بن خالد عن بقية به وزاد (بن ميسرة عن أبي عبد الرحمن عن تميم)، وهو إسناد شامي لا بأس به.

([2]) الجامع لأحكام القرآن 1/264 .

([3]) السياسة الشرعية ص 176 – 177 .

([4]) الاقتصاد في الاعتقاد ص 199 .

([5]) الفصل في الملل والنحل 4/87 .

([6]) الرسائل النجدية 3/170 .

...........................
 


رابط مختصر
الرابط المختصر انقر هنا