مؤتمر الأمة لا يجد مكانا على الارض فينعقد في البحر والمياه الاقليمية

مؤتمر الأمة لا يجد مكانا على الارض فينعقد في البحر والمياه الاقليمية

مؤتمر الأمة لا يجد مكانا على الارض فينعقد في البحر والمياه الاقليمية
 
د عبدالله ابوالسمن
 
استنبول : 30-9-2013
 
لم يصل الى خاطري يوما ان ارى وانا ممن زار تركيا العديد من المرات وشاهد مدى الحرية والانفتاح وسلاسة التعامل مع الاشياء والناس , كما شاهد الحضارة والرقي العالي لآليات التعامل فيها , وعاش شفافية ورقة الشعب التركي وحنانه للإسلام والمسلمين , وعاش آملا بان تكون تركيا مدرسة للعالم العربي بالانفتاح والوقوف الى جانب القضايا العادلة للشعوب في المنطقة من جانب مبدئي وقانوني, لأرى اليوم ممارسة قمع الكلمة واسكاتها بالوسائل الاعتيادية المستخدمة في اوطاننا العربية , ان هذا لشيء عجاب !.
لقد حاولت تركيا منع اقامة اكثر من 600 شخصية مدعوة للمؤتمر في فندق في استنبول , منهم العلماء والمفكرون والسياسيون, ومنهم ممثلو الاحزاب الذين تجاوز عددهم 25 حزبا , كما منعت ادخال الاوراق المعتمدة المتعلقة ببرنامج المؤتمر وأدبياته , ومنعت الصحافة , وكانت الرقابة لصيقة من داخل الفندق وفي محيطه وكأن المنطقة مغلقة امنيا , حتى انها منعت اقامة الصلاة بشكل جماعي في قاعة الفندق , حتى بت اتساءل اين نحن ؟ وعلى أي ارض نقف ؟
لقد كانت صدمة نفسية وعقلية وفكرية ان ارى هذه الممارسات على ارض الحضارة الاسلامية التي قادت العالم الاسلامي لأكثر من خمسة قرون , وصدمة اخرى للتوقعات المبنية على التغير الحاصل في المجتمع التركي منذ قدوم حزب العدالة والتنمية بقيادته المنتمية للتيار الاسلامي , الذي احدث نقلة نوعية في مسار الحياة التركية في السنوات العشر الاخيرة , وصدمة ثالثة تتمثل بعدم التزام الحكومة التركية بتنسيقاتها مع المؤتمر والموافقات التي تمت لعقده, ليمنع في الساعات الاخيرة المتبقية على عقده .
وكمتابع للأحداث وناظر الى مجرياتها اجد لزاما علي تحليل ما حدث للوقوف على الاسباب غير الواضحة المعالم, والحديث الذي جرى ويجري والتساؤلات والاستغراب الذي يبدو على وجوه القادمين من كل الدول العربية ومن اوروبا وبعض الدول الاسلامية, واجد لزاما على الحكومة التركية التي تجاوزت قوانينها بتعاملها مع المؤتمر ان تبين الاسباب الحقيقية لمنع اقامة هذا المؤتمر لأول مرة في تاريخ تركيا منعا مؤكدا , علما ان عنوان المؤتمر واهدافه تتوافق مع الموقف المعلن للحكومة التركية بالوقوف مع الشعب المصري وثورته , رغم اختلاف وجهات النظر في العالم العربي والاسلامي وفي الحضور حول مجريات الاحداث وادارة الصراع في مصر وتوقيته واهدافه واسبابه ومرجعيته .
وهنا استعرض الاسباب الممكنة والمتوقعة لمنع المؤتمر رغم انعقاد عشرات المؤتمرات على الارض التركية لنفس السبب وغيره من الاسباب التي تتعلق بكل الثورات العربية ويمكن ان تكون هذه الاسباب في الاحتمالات الضغوطات الداخلية والخارجية التالية :
1- خارجية : وتشمل :
-الجانب العربي : الذي يحارب الاخوان اليوم ويريد باستراتيجيته البعيدة المتوافقة مع الغرب اسكات العمل الاسلامي وفي نفس الوقت منع أي تشكيل اسلامي آخر اكثر قوة او موازي او قابل للبناء القوي خلال فترة قريبة .
وفي هذا السياق تأتي المعركة على "مؤتمر الامة " ككيان يتبنى الحكم الراشد ويسعى لنهضة امته هو والاحزاب المنطوية تحته في الوطن العربي , فتأتي المطالبة من الوطن العربي بإيقاف الكلمة وايقاف جمهرة المفكرين والسياسيين لدرجة الاستعداد بالأمن ومكافحة الشغب امام الفندق لضربها ومنعها .
-الجانب الدولي :
قد تدار المعركة في الاطار العربي سياسيا بين العمل الاسلامي ممثلا بتنظيماته وبين النظام العربي الذي ينفذ قرارات غربية لإدارة المعركة وخوض صراعها على الارض العربية , الا ان المعركة في اطارها الدولي واضحة المعالم وانها حرب صليبية تخاض لتقسيم المنطقة وعولمة القيم والأخلاق الغربية حتى على اطفال العالم الاسلامي ذكورا واناثا .
وفي مواجهة هذا التمدد الدولي والمعركة المسلطة على العالم الاسلامي يقف مؤتمر الامة برؤيته السياسية والشرعية ووسائله المطروحة وطريقة عمله على الساحة العربية والعالمية لوقف هذه الهجمة ومواجهتها وحماية الامة العربية والاسلامية , وبناء وحدتها التي تستفيد من طاقات الجميع بعد صهرها لتجتمع على الاهداف العليا لهذه الامة , وهنا تتضارب وجهتي النظر بين المشروع الغربي ومؤتمر الامة الى درجة التصارع الفكري والعقدي المباشر والمواجهة في ادارة الصراع في الساحات المختلفة لذا فالعالم الغربي المتحكم بأنظمتنا العربية والاسلامية يحرك افراده وعملاءه لإيقاف مثل هذا المؤتمر .
2- داخلية : وتشمل :
-طبيعة النظام السياسي في تركيا وعلاقته التاريخية بالإخوان ودعمه المباشر لهم اذ ان حزب الحرية والعدالة قد انبثق من حزب الرفاه بقيادة المرحوم "اربكان" وهو جزء من التنظيم العالمي للإخوان ومع ان المؤتمر كان بعنوان " الثورة المصرية ومستقبل الامة " وهناك عشرات المتحدثين والاوراق - منها اوراق يقدمها قيادات اخوانية- والتي ستناقش الحالة المصرية وتدعم تطلعات الشعب المصري في مواجهة أي شكل من اشكال الظلم من أي جهة كانت سياسية ام عسكرية .
الا ان اشهار مؤتمر الامة بهذه الصيغة وهذه الامكانيات الكبيرة ووقفته الرائعة الى جانب طموحات الامة العربية وثورتها ومشروعها الاسلامي في مثل هذا الوقت , حيث انه يشكل ملاذا جاذبا لأبناء الامة ومنهم الاخوان اذا ما اريد بالإخوان شرا , وملاذا لغيرهم من الافراد والكفاءات التي قد تقود العمل لإتمام المشروع الاسلامي على مستوى الامة العربية والاسلامية و يسمح للمؤتمر بالتنامي المتسارع .
-يضاف الى ذلك تخوف النظام التركي مما جرى في مصر وامكانية تكرر التجربة في اماكن اخرى اذ ان المعركة وادارتها ضد الاخوان في الواقع العربي لم تحتمل اكثر من سنة لإسقاطهم واسقاط نظام الحكم في مصر, والتجربة قد تتكرر في تونس وجزئيا في ليبيا , وقد تتكرر في مناطق اخرى مثل تركيا وخاصة ان عوامل الاثارة تتصاعد يوميا . وفي هذا السياق فان تركيا معنية بتبريد كثير من الساحات الداخلية الساخنة ومراقبتها بشكل فاعل وقوي وهي غير معنية بفتح جبهات صراعية اخرى على الساحات العربية الخارجية العربية , وبالتالي تسمح لنفسها بتجاوز القانون الداخلي استجابة لضغوط العامل الخارجي الذي قد يثير ويساند وضع المعارضة الداخلية التي تتنابذ الحكم مع حزب التنمية والعدالة .
وعلى الرغم مما جرى من اجراءات المنع , فان المؤتمر قد عقد بعضا من فقراته على ظهر سفينة في المياه الاقليمية في رحلة بحرية , حتى لا يحسب اللقاء على أي من جغرافيا الارض التي لم تحتمل وقفة العز والشهامة والاكبار للقائمين على مؤتمر دعم الشعب المصري برعاية مؤتمر الامة .
وقد اثبت القائمون على المؤتمر والمؤتمرون رغم ما جرى والخسارة المادية بتعاملهم الحضاري وادارتهم للحوار والتفاوض مع الحكومة التركية , انهم حضاريون وانهم بمستوى المسؤولية للتعامل الايجابي مع الواقع والحضور , رغم ما احدثه المنع من ارباك في البرنامج وفي امكانية ايصال الكلمات والدراسات المعدة للوقوف مع الشعب المصري امام العالم والاعلام الضيوف .
ورغم محاولة افشال المؤتمر بعوامل داخلية او خارجية او كليهما معا الا ان المنع بحد ذاته لهذه الكوكبة الكبيرة من امة العرب ومن الامة الاسلامية دليل عظيم على نجاحه , بل ودليل على صدقية وقوة المؤتمرين , ودليل على صدقية المنهج والفكرة والممارسة لهم , وكذلك دليل على غياب العدالة في بلد يتغنى بالانفتاح على العالم وعلى الاخرين ويسمح لكل المؤتمرات ان تعقد على ارضه الا هذا المؤتمر اليتيم .
ورغم مرارة الحدث واستهجانه سيبقى الشعب التركي عمقا استراتيجيا لامتنا العربية , وستبقى الارض التركية عمقا جغرافيا لامتنا , وسنبقى امة مسلمة واحدة من دون الناس, ولهذا فاننا نذكر الحكومة التركية انه في غياب الحرية فان العدالة ستغيب والتنمية ستنهار وهذا سيهدد بغياب حزب التنمية والعدالة عن ادارة دفة الحكم في تركيا ويفشل تجربة جديدة على طريق النهوض .

رابط مختصر
الرابط المختصر انقر هنا

مؤتمر الأمة لا يجد مكانا على الارض فينعقد في البحر والمياه الاقليمية

ترك تعليق
التعليقات

مؤتمر الأمة لا يجد مكانا على الارض فينعقد في البحر والمياه الاقليمية