رثاء الشيخ محمد المفرح وداعا أخا الأحرار

رثاء الشيخ محمد المفرح وداعا أخا الأحرار

رثاء

الشيخ محمد المفرح

(وداعا أخا الأحرار)


 

لله ما أعطى

ولله ما أخذ

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا

اللهم لك الحمد على كل حال

لك العتبى حتى ترضى

ولك العتبى إذا رضيت

ولا حول ولا قوة إلا بك

اللهم وارض عن عبدك محمد المفرح رضا يغبطه عليه الشهداء والصالحون

ويرجو مثله الأولياء المتقون

اللهم وخذ بنا ومنا

حتى ترضى عنا

وتب علينا

واغفر لنا

وتولنا بولايتك

آمنا بك وحدك

ورضينا بك ربا

وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا

اللهم وهذه شهادتي في الدنيا على أخي محمد المفرح

اللهم فاجعلنا ممن تقبل شهادته وتقبل شفاعته (يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم)

 

لله در أبي تمام حين قال وكأنما أراد محمد المفرح:

كذا فليجل الخطب وليفدح الأمرُ

فليس لعين لم يفض ماؤها عذرُ

توفيت الآمال بعد محمدٍ

وأصبح في شغل عن السفر السفرُ

لقد كان أول لقاء بيني وبين أخي وحبيبي الشيخ محمد بن سعد آل مفرح سنة ١٩٩١م أو ٩٢ حين أتيت مكة لاستكمال دراسة الماجستير في جامعة أم القرى، وكان قد زارنا برفقة الشيخ د أحمد آل غرم الغامدي - فك الله أسره وعجل فرجه - الذي كان معي آنذاك في قسم التفسير والحديث، وعرفت منه أن محمدا من آل مفرح شيوخ قبائل عسير ويرجع في نسبه إلى قريش، وأنه من أهل الجاه والثراء، وكانت تبدو على محياه الأغر النجابة القرشية، والشهامة الأموية، فلا يراه أحد إلا أحبه مودة، وهابه إجلالا، وكان يبني حينها وهو شاب يافع مجمعا وسوقا كبيرا بمنطقة العزيزية ثم اشتراه منه ابن داود بعد ذلك، ولم يخطر في بالي يومها أن هذا الشاب سيترك المال والجاه ويخرج مهاجرا ومجاهدا في سبيل الله!

وأننا سنكون جميعا دعاة في مشروع (مؤتمر الأمة) لنعمل معا من أجل (أمة واحدة وخلافة راشدة)!

وكلما رأيت الشيخ محمدا بعد هجرته وما عرض له فيها من أهوال تذكرت مصعب بن عمير رضي الله عنه وكيف كان أجمل شباب قريش صورة، وأوسعهم جاها وثراءا، قبل إسلامه، ليهاجر ويستشهد في سبيل الله فلا يجدون حين دفنه ما يغطون به جسده!

وكان الشيخ محمد منذ عرفناه بمكة مواظبا على حضور دروس الشيخ سفر الحوالي ومحاضراته في جدة ومكة، ومحافظا على الصلوات الخمس في الحرم، وقد اشتهر الشيخ محمد مع ما كان فيه من ثراء بالعبادة والذكر والصيام وقيام الليل وقراءة القرآن، حتى كأنما هو من الأبدال الأولياء، والزهاد الأتقياء، وكان رحمه الله على خلق جم، ووقار وحلم، وأدب وافر طبعا لا تطبعا، وسجية لا تكلفا، مع حب للجهاد والمجاهدين، وتوقير للعلماء الربانيين.

ومضت السنون فلا يزاد محمد فيها إلا خيرا حتى إذا اطلع على كتاب (الحرية أو الطوفان) سنة ٢٠٠٤م ثم (تحرير الإنسان وتجريد الطغيان) ومشروع (الأمة) فإذا هو من أول المؤمنين به، وبضرورة العمل من أجله، ووجوب بعث الخطاب السياسي النبوي والراشدي في الأمة، وأنه لا يسع المصلحين إلا الدعوة إليه ونصرته، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها..

ومضى الشيخ محمد داعيا ومبشرا للمشروع ليل نهار، لا يكل ولا يمل، وكأنما هيأه الله لهذا الأمر العظيم واصطفاه له، فشارك في تأسيس (حزب الأمة الإسلامي) الذي دعا إلى الحكومة الراشدة، وقدم خطابا للديوان الملكي في الرياض فيه البيان التأسيسي والأهداف التي يدعو إليها الحزب بشكل سلمي، وبعد الإعلان عن الحزب، صدر الأمر بإلقاء القبض على مؤسسيه، فخرج بتكليف من الحزب ليكون ناطقا رسميا له بالخارج في مطلع سنة ٢٠١١م، وعبر إلى الأردن ثم سوريا قبيل الثورة السورية بأيام، وكان يدعو الله في الطريق (اللهم حرر الشام وطهرها من الطغاة)!

ثم انتهى به السفر إلى اسطنبول، وجرت له أحوال، فسافرت إليه أنا والشيخ سيف بعد أسبوع من وصوله اسطنبول، وكان يعيش عيشة الزهاد، ويكثر صوم النهار وقيام الليل، حتى إذا بدأت الثورة المسلحة في سوريا فإذا هو أول من يبادر لنصرتها، فسافر في أواخر سنة ٢٠١١ مع الشيخ محمد العثامين (أبو أشرف) رحمه الله المشهور (أبو عبد العزيز القطري) - وكلاهما قرشي أموي - فزاروا (أحرار الشام) في بداية تأسيسها وقبل اشتهارها، وقدموا الدعم لها، وظل الشيخ محمد وأبو أشرف يستنفران الجميع لنصرة الشعب السوري، ويوجهان الدعم للفصائل، ويعملان على توحيد صفوفها، وترشيد أدائها، بعيدا عن الضجيج الإعلامي، كما كان الشيخ المفرح يعمل على توحيد الفصائل العراقية وجمع كلمتها، وقد دخل بعد ذلك أرض الشام في أواخر سنة ٢٠١٢ وبقي فيها نحوا من سنة مجاهدا بنفسه مع لواء الأمة وباقي الألوية، لا يفرق بينها في دعم ولا رأي ولا توجيه ونصح، ويرى الجهاد جهاد أمة لا جهاد جماعات وفصائل وأن الثورة ثورة أمة..

وظل الشيخ محمد يلتمس الشهادة ويتعرض لها في مواطنها، ويتمناها في أرض الشام، ورأى الناس الذين كانوا معه من الكرامات التي تجري له والتي تواترت عنه ما لا يجرأ على التحديث بها إلا من شاهدها، فلعل الأخوة الذين كانوا معه يسجلونها لتكون في سيرته الخالدة ذكرى للأجيال التي تعيش في عصر طغت عليه الحياة المادية، ليكون قدوة حسنة حيا وميتا.

ثم تعرض وهو في أرض الجهاد لحريق كاد يودي بحياته، فنقل على أثره عبر الحدود الوعرة، واجتاز به حاملوه نهرا محمولا على خشبة على برميل، وتعرض لأهوال شديدة حتى وصل إلى مستشفى في تركيا على الحدود، وتم إسعافه وإجراء العمليات له وبقي فيه نحو شهرين، ثم خرج من المستشفى وتعرض لثلاث عمليات اغتيال من قبل عصابات مأجورة، فسلمه الله، وعرض عليه الملأ ٧٠ مليون ريال مقابل الرجوع إلى السعودية، فرفض رفضا قاطعا حتى يخرج من السجن الشيخ عبد العزيز الوهيبي رئيس حزب الأمة الإسلامي والشيخ د أحمد الغامدي نائب رئيس الحزب وحتى يتم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من الدعاة والمصلحين، وكان آخر تلك المساومات قبل شهر ونصف من وفاته!

وكان دائما يدعو بعد صلواته اللهم فرج عن الشيخ الوهيبي، اللهم فرج عن الشيخ أحمد الغامدي، اللهم فك أسر المسجونين ويذكر العلوان وسعود مختار والحامد وغيرهم يذكرهم بالاسم ويخصهم بالدعاء!

ثم مرض فجأة قبل شهر من وفاته ودخل المستشفى وتدهورت صحته بشكل حير الأطباء وتوفي صابرا محتسبا..

وكان من أعجب ما رأى الناس من أحواله ومما اشتهر عنه وتواتر بين كل من عرفوه الرؤيا الصادقة فلا يرى الرؤيا حتى تقع كفلق الصبح، وربما رأى في اليوم الواحد ثلاث رؤى، وكما جاء في الحديث الصحيح (إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ورؤيا المؤمن جزء من ست وأربعين جزءا من النبوة) وفي الحديث (أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا) ..

وكان قد أخبر برؤى له بحدوث الثورة العربية وبتاريخ الثورة المصرية وأنها ستكون بيوم ٢٥/ ١/ ٢٠١١ وأمور كثيرة وكل ذلك قبل وقوعها بأشهر!

وكان مما أخبرني به وهو على فراش الموت وقبل دخوله الغيبوبة وفقده للوعي وكان عنده الشيخ سيف الهاجري والشيخ حسن الدقي والشيخ ارشيد الهاجري بأنه رأى أنه يخاطب قريبا له ويقول (نحن بلغنا الخمسين ونحن الآن نتزين للقاء ربنا) وقال بأنه رأى (أنه يدخل السعودية بلا جوازات على رنج روفر أسود موديل ٢٠١٤) وأنه رأى بأنه زار المسجد النبوي (واستظل بظل قبة الحجرة النبوية الشريفة) ..الخ

فوقع في نفسي - ويبدو أنه وقع في نفسه هو أيضا - أنه يتوفى قبل انتهاء سنة ٢٠١٤ ويدفن في المدينة أو مكة وهي أمنيته!

وقد كان وهو على فراش الموت مطمئنا واثقا بالله وكان لا هم له إلا الثورة في مصر وسوريا وكان يكثر الدعاء لهما بالنصر أكثر من الدعاء لنفسه بالشفاء!

وليته رأى تحرر وادي الضيف الذي كان يعمل على تحريره منذ دخل سوريا وكان يحث المجاهدين على الرباط عليه وإسقاطه لشدة القصف الذي كان يتعرض له أهالي إدلب منه!

ومن أقدار الله ألا يفارق الدنيا إلا بعد تحرر وادي الضيف ومعرة النعمان!

رحمك الله أبا عبد الله...

 

 


(وداعا أخا الأحرار)

أنبكي على آثارك المجدَ والعزما

أم الصدقَ والإقدامَ والحلم والحزما

 

وأي صفات فيك لا نبكي فقدها

وقد كنت في الأحرار آيتنا العظمى

 

وداعا أخا الأحرار فالكل ميتٌ

سواك فأنت اليوم رائدنا حتما

 

سموت إلى العلياء همّاً وهمّةً

فكنت لنا في ليلها البدر والنجما

 

مضيت كحد السيف في الحق صارما

فلم ير حرٌ نبوةً منك أو ثلما

 

وهال طغاة العُرْب أنك واحدٌ

دعوت فأمّ الصوت بعدك من أمَّا

 

وزلزلت باسم الله عرش طغاتهم

فأنعم به ربا وأنعم به اسما

 

وأحييت في كل الجزيرة أمةً

تداولها الطغيان من عصره ظلما

 

يسوسهمُ الطاغوت والغرب فوقه

ويأمرهم حربا إذا شاء أو سلما

 

وظنوا بأن المال يغريك فيهمُ

وضلوا فما يدرون غايتك الأسمى

 

ودعا شهيد الحق للحق صولةٌ

تدك عروش الظلم والصخرة الصما

 

وتبنى على آثارها الدولة التي

تسوس الورى عدلا وتشركهم حكما

 

عليك سلام الله ما لاح بارق

وأشرق نور الصبح وانجابت الظلما

 

بقلم أ د حاكم المطيري

المنسق العام لمؤتمر الأمة

25/2/1436 هـ

17/12/2014 م

 


رابط مختصر
الرابط المختصر انقر هنا

رثاء الشيخ محمد المفرح وداعا أخا الأحرار

ترك تعليق
التعليقات

رثاء الشيخ محمد المفرح وداعا أخا الأحرار