مؤتمر الأمة يحذر من خطورة تداعيات أزمة الخليج على المنطقة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد....

قال الله تعالى ‏﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.. 

وقال : (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)..

وقد تكفل الله لهذه الأمة - لتستمر في حمل الرسالة إلى قيام الساعة - بتجديد أمر دينها على رأس كل قرن، كما في الحديث الصحيح (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها(..

وها هي اليوم بعد مائة عام على سقوط الخلافة الإسلامية وفقدها لوحدتها وسيادتها تعود من جديد، لتبدأ نهضة كبرى، باستعادتها لوعيها بذاتها، وهويتها ورسالتها، ليشع نور الإسلام على العالم مرة أخرى بإذن الله..

هذه النهضة التي تجلت بالربيع العربي وثورة شعوبه من أجل حريتها وتحررها، وبتصدي الشعب التركي للمؤامرة الانقلابية، ودفاعه عن إرادته وحكومته التي تمثله وعن سيادته وحريته..

وإن (مؤتمر الأمة) ليؤكد - وبعد سبع سنوات على اشتعال الثورة العربية المباركة في أكناف بيت المقدس والشام ومصر، وفي كل ساحات الثورة في تونس وليبيا واليمن، ومن قبلها ساحات الجهاد والمقاومة في العراق وأفغانستان - على أهمية إدراك كافة شعوب الأمة وقواها الحية هذه الحقائق الشرعية، والدور الحضاري الذي ينتظر جميع مكونات الأمة من شعوب وجماعات وحكومات إنحازت إلى ثوابت الأمة ومقاومة المحتل وأنظمته وطغاته.

وإن تحقيق هذا الدور الحضاري والريادي لأمة الإسلام يتطلب الالتزام بخارطة طريق شاملة، وخطة عمل راشدة، تضمن الاستثمار الأمثل لتضحيات شعوب الأمة، وتمنع من الانزلاق والتقهقر مرة أخرى أمام قوى الطغيان العالمي، والذي نجح في إثارة الحروب والفتن في الخليج وجزيرة العرب، وشق صف دولها وشعوبها، لصالح مشروع التحالف مع إسرائيل، وحصار الشعب الفلسطيني حتى يرضخ لخطة ترامب التي قرر فيها يهودية دولة إسرائيل وعاصمتها القدس.

وهذه رؤية يقترحها (مؤتمر الأمة) لعلها تسهم بإذن الله في ترشيد الثورة وتحقيق أهدافها:

   أولا: آن الأوان لإجتماع كافة قوى الأمة وقادتها من العلماء والسياسيين والمفكرين والقادة الميدانيين في كل ساحات الثورة لتشكيل هيكل جامع، ينسق أداء قوى الأمة، ويوحد جهودها للدفع باتجاه نجاح الثورة والمقاومة في كل الساحات، والتصدي للتآمر الخارجي عليها، كما أمر الله المؤمنين في قوله ‏﴿وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة﴾، فقضية الأمة وشعوبها واحدة، من الروهينجا في بورما، والإيغور في الصين شرقا، إلى أفغانستان والشيشان شمالا، والعراق والشام وسطا، وفلسطين ومصر وليبيا غربا، والصومال وأرتيريا وأفريقيا الوسطى جنوبا، كما قال تعالى ‏﴿إنما المؤمنون إخوة﴾، وكما في الصحيح (مثل المؤمنين كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فيجب استعادة مفهوم الأمة من جديد إيمانيا وسياسيا وفكريا وميدانيا، حتى لا يتقدم عليه مفهوم قومي أو وطني أو مذهبي أو حزبي ..

وهي المهمة التي يجب على علماء الأمة ودعاتها القيام بها، والتصدي لها، حتى تعود روح الأمة من جديد تسري في كل أوطانها وبلدانها، وتمهد الطريق لوحدتها. واتحادها.. 

   ثانيا: التعاون والتكامل بين قوى الثورة والمقاومة في كل الساحات ومراعاة الأقاليم الجغرافية الواحدة، لتعزيز العمق الإستراتيجي لها كلها في مواجهة قوى المحتل الخارجي والثورة المضادة التي تجلى التعاون بينها في كل الساحات، برعاية غربية صليبية لمحاصرة كل ثورة على حدة، وعزلها واخضاعها عسكريا وسياسيا، ولا يمكن لقوى الأمة مواجهة العدو إلا بالاعتصام والاجتماع ‏﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..

كما يجب على علماء الأمة ودعاتها تذكيرها بوجوب الجهاد في سبيل الله، دفاعا عن أوطانها، وحريتها، وسيادتها، وحماية لشعوبها وأقلياتها التي تتعرض للاضطهاد والتهجير في كل أرض، كما قال تعالى ‏﴿فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا .. 

وإنه لا يسع عالما اليوم السكوت عن بيان حكم الله بوجوب جهاد العدو المحتل، ووجوب نصرة المسلمين المضطهدين في كل أرض، وقد حذر النبي الأمة من تداعي الأمم عليها ووقوع الوهن في نفوسها، كما في الحديث (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها! قالوا أمن قلة نحن يومئذ؟ قال : لا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور أعدائكم وليقذفن في قلوبكم الوهن حب الحياة وكراهية القتال(..

وإن أول الوهن وأخطره أن يستحل العدو لنفسه غزو الأمة وشعوبها عسكريا، واحتلال بلدانها، وتهجير شعوبها، وتصنيف من يقاومه بالإرهاب، ثم لا يستطيع علماؤها ودعاتها الدعوة إلى ما أوجب الله عليهم بيانه من وجوب الجهاد في سبيله، ودفع عدوان المحتل الظالم ومقاومته، وهو الحق الذي كفلته المواثيق الدولية، فضلا عن إيجاب الإسلام له، وجعله ذروة سنامه!   

  ثالثا: وضع رؤية شرعية متكاملة، توضح المعالم الشرعية والسياسية لمشروع الثورة، والإجابة الشاملة والدقيقة على نوازل الساحات الثورية، وفتح آفاق الاجتهاد لتحديد طبيعة المشروع الحضاري الذي ستحقق الأمة من خلاله ذاتها، وتستعيد هويتها وسيادتها، وإن أهم ما يعترض الثورة في أدائها هو الفصام بين المسارين الجهادي والسياسي، الذي كان الفرصة السانحة والثغرة  الائحة للعدو لينفذ من خلالها لضرب ساحات الثورة وإرباكها، بل وفتح المجال للاصطراع بين المكونات الثورية، مما يقتضي بلورة الاجتهاد الشرعي الذي يحكم أداء الساحتين الجهادية والسياسية، ويحافظ على الثوابت، ويراعي فقه المتغيرات والأولويات، كما قال تعالى ‏﴿فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين.

   رابعا: وضع رؤية سياسة شرعية، تعبر عن أصول الخطاب السياسي القرآني والنبوي والراشدي، لتكون أساسا لتحديد طبيعة نظام الحكم الراشد، في كل بلد تنجح فيه ثورة الشعب في الوصول للحكم، وحقوق الأمة وواجباتها، في ظل السلطة الراشدة، لتبدأ شعوب الأمة في كل بلد بإقامة الدول والحكومات الإسلامية الراشدة على مستوى القطر، وصولا إلى الخلافة الراشدة على مستوى الأمة..

   خامسا: وضع خطط وبرامج ما بعد سقوط النظام لحماية الثورة في المرحلة الإنتقالية، بتشكيل لجان شعبية، ومحاكم شرعية، ومجلس حكم مؤقت، يعيد بناء الدولة ومؤسسات وفقا لأصول الخطاب النبوي والراشدي، ولتحكيم شرع الله وإقامة دينه..

   سادسا: إقامة منظمة وجامعة بين الدول التي نجحت فيها الثورات تعمل على:

          أ‌-         الوقوف مع ثورات الشعوب المستمرة، لإنجاحها ومؤازرتها، وتحرير شعوبها من النفوذ الأجنبي والاستبداد الداخلي .

       ب‌-      التكامل بين أعضائها لتحقيق الوحدة بين شعوب الأمة ودولها .

   سابعا:  وضع مدونة لميثاق عالمي، يحدد رؤية أمة الإسلام لطبيعة النظام العالمي الجديد، المتحرر من الطاغوت الغربي، وكبديل لما سُمي بالخمسة الكبار أعضاء مجلس الأمن الدائمين، والذين وضعوا أنفسهم فوق البشر والأمم، وأعطوا لأنفسهم ودولهم وشعوبهم صلاحيات ظالمة يستحلون بها احتلال الدول، وقتل الشعوب، ووصم من قاومهم بالإرهاب.

 على أن تشمل تلك المدونة تصور الأمة الإسلامية لطبيعة العلاقات الخارجية التي تحكمها مع باقي دول العالم.

هذه رؤية نظرية عملية لتحقق ثورة الأمة أهدافها، وهنا يؤكد (مؤتمر الأمة) على أهمية الدور السياسي والإستراتيجي لتركيا كدولة إسلامية مركزية في دعمها لشعوب الأمة، ودورها في تحرر شعوب الأمة من النفوذ الأجنبي، وضرورة التنسيق بينها وبين كافة قوى الأمة في هذه المرحلة الخطيرة التي أصبح الجميع فيها مستهدفا من القوى الدولية الاستعمارية والثورة المضادة للأنظمة العربية.

كما يحذر (مؤتمر الأمة) من التآمر الغربي، وأنظمة الثورة المضادة في العالم العربي، وعملها الدؤوب على اختراق الأمة مجددا من خلال إثارة البعد الطائفي والعرقي والمناطقي، وضرب مكونات الأمة ببعضها، لبث الفرقة بينها، واختراق ساحات الثورة في سوريا والعراق، وضرب تركيا من الداخل وعزلها، واستغلال أولئك الأعداء للتنظيمات الوظيفية والميليشيات الطائفية لتنفيذ مؤامراتها في فرض المشروع الأمريكي الطائفي منذ احتلال العراق.

كما إن (مؤتمر الأمة) ليؤكد على أهمية العناية بالبعث والتجديد السياسي والفكري والروحي الذي تمثل في ثورة الربيع العربي، وذلك بنهضة الشعوب العربية وثورتها المباركة وتحملها مسئوليتها الشرعية والسياسية منذ أواخر سنة ٢٠١٠ لتسهم في تحرر ونهضة الأمة من جديد، وبفشل الانقلاب في تركيا سنة ٢٠١٦م، وبداية تحرر الشعب التركي من النفوذ الغربي ليستعيد هويته ورسالته، ووقوف الشعب الكردي مع ثورة الربيع العربي، ومواصلة الشعب الأفغاني مسيرة تحرره وجهاده ضد المحتل، مما شكل أرضية عملية مشتركة تُمكن الأمة من التصدي للتآمر عليها.

وعليه فإن دعم الثورة العربية ونجاحها هو حجر الأساس الذي تستطيع تركيا البناء عليه للمضي نحو تحررها ونهضتها واستعادة مكانتها الدولية التي فقدتها منذ الحرب العالمية الأولى، وخسارتها لعمقها العربي الإستراتيجي، الذي استفرد به المحتل الغربي مدة قرن كامل لقتل شعوبه ونهب خيراته، والذي سيكون الرافد الأساسي لتحرر شعوب الأمة من النفوذ الأجنبي، وسيكون للشعب الكردي الدور الأبرز والأهم في دعم تحرر العرب، وتفويت الفرصة على العدو الخارجي، بحكم تاريخ الكرد وموقعهم الجغرافي الذي جعلهم حلقة الوصل الأهم بين العرب والترك، لتحقيق مشروع (الأمة الواحدة) كما كانوا أيام صلاح الدين الأيوبي ليتوج ذلك بتحرر القدس من الحملات الصليبية.

كما يجدد (مؤتمر الأمة) دعوته لرفع الحصار الظالم عن قطر وشعبها، ويحذر من خطورة المضي في مشروع ترامب للمنطقة العربية والتحالف مع إسرائيل، والذي لن يعود على دول الخليج والمنطقة العربية، إلا بالحروب والفتن الداخلية كما حدث في حصار قطر..

كما يقدر (مؤتمر الأمة) دور تركيا في التدخل السريع لنزع فتيل الصراع بين دول الخليج، ومنع التصعيد العسكري بينها، ودور وساطة دولة الكويت لقطع الطريق على التدخل الدولي الخارجي الذي لن يكون في صالح شعوب المنطقة كلها ..

إن الأمة اليوم في حاجة إلى العودة لدينها، وشريعته، وقواعده، وأصوله الكلية في السياسية الشرعية الداخلية والدولية، وفي العلاقات بين شعوب الأمة، لتقوم على الوحدة الإيمانية، والأخوة الإسلامية، لتكون الطريق للوحدة السياسية كما كانت لثلاثة عشر قرن، والتي ساهم وشارك في تاريخها وأحداثها كل مكونات وشعوب الأمة بلا تمييز بفضل تمسكها بدينها وكتابها الذي جعل من هذه الأمة وسطا بين أمم الأرض، لتقيم العدل والرحمة فيها، وتشهد بالحق عليها، كما قال تعالى ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..

 

مؤتمر الأمة

الخميس 13 صفر 1439 هـ

2 نوفمبر 2017 م


رابط مختصر
الرابط المختصر انقر هنا

مؤتمر الأمة يحذر من خطورة تداعيات أزمة الخليج على المنطقة

ترك تعليق
التعليقات

مؤتمر الأمة يحذر من خطورة تداعيات أزمة الخليج على المنطقة