الرسالة الثامنة (مهارات العمل السياسي وفنونه)

الرسالة الثامنة (مهارات العمل السياسي وفنونه)

  • بواسطة مؤتمر الأمة --
  • الخميس 15 جمادى الثانية 1434 00:00 --
  • 0 تعليقات

 

الرسالة الثامنة
(مهارات العمل السياسي وفنونه)

 

تعريف فن السياسة:

 

درج كثير من الناس على تعريف فن ممارسة السياسة بأنها: فن الممكن؛ بمعنى: القيام بعمل معين في زمن معين؛ لتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف لعامة الناس أو لبعضهم.

 

وقال أكثرهم تدينا: إن السياسة فن الممكن المباح؛ لأن الممكن دون تقيد ربما يشمل أمورا محرمة من قتل أو غش ورشوة أو ممكن نسميه العمل على تحقيق الأهداف دون التقيد بمعايير أخلاقية؛ وهذا يظهر بجلاء في المجتمعات العلمانية بشقيها اليساري واليميني، وقد شاع هذا الأمر حتى أصبح عدد كبير من المسلمين يرددون بشكل تلقائي مقولة: (السياسة لعبة قذرة)؛ مما حدا بأهل الصلاح والتقوى من الدعاة والعلماء لمجافاة العمل السياسي وترك الساحة السياسية والمجال لأقوام لا خلاق لهم؛ فأفسدوا العباد ودمروا البلاد.

 

وهناك تعريف آخر لمصطلح السياسة يقول: السياسة هي القيام على الأمر بما يصلحه؛ وهذا التعريف يجعل العمل السياسي أكبر من الاهتمام بشئون الحكم والسلطة، وتحقيق الرفاه للشعوب؛ لذلك يسمى من يقوم على تربية الخيل وتدريبهم السايس، وفي الحديث: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء) أي: تقوم على شئونهم، وتحقق مصالحهم، وكل ما ذكر يدخل في تفسيرات السياسة.

 

ويمكن أن نعرّف السياسة؛ فنقول: السياسة هي جمع طاقة وجهد أكبر عدد من الناس في زمن معين في بلد معين لترقية الحياة الإنسانية بما يجعلها أقرب للصلاح والصواب، أو تحقيق أعلى درجات النجاح بأقل جهد ممكن في كافة المجالات التي تعزز إنسانية الإنسان في الواقع السياسي.

 

مكونات الحزب السياسي ووظيفته:

 

من أجل أن يكون هناك حزب سياسي يعمل بين الناس؛ فلابد من توفر بعض العناصر الأساسية الآتية:

 

أولا:الفكرة (الأيديولوجية) (العقيدة السياسية): وهي تمثل المنطلق والمرجعية التي تضبط الأهداف المرحلية والإستراتيجية، والحركة ومراحلها ومتطلباتها، والالتزام بها (أي الفكرة) هو الذي يحدد من يتبع لهذا الحزب ممن لا يتبع له، وهي (أي الفكرة) التي تنتج حالة من الوحدة الخطابية على الأقل في كبريات القضايا، وهي التي تعمل على تحديد المواقف من:

 

  1. الأفكار: مثل الشيوعية والبعثية والعلمانية والليبرالية... إلخ.

  2. والقضايا: مثل القضية الفلسطينية وقضية كشمير... إلخ.

  3. والأحداث: مثل ما يقع من أحداث في أنحاء متفرقة من العالم.

  4. والتفريق بين المواقف الإستراتيجية والتكنيكية.

    والفكرة يخرج منها مشروع بيّن المعالم محدد الأهداف يمكن في النهاية أن يخضع للقياس والتقييم ومعرفة النجاح فيه من الفشل، وأي حزب سياسي لا يملك فكرة مهما عظم شأنه وزاد عدد إفراده فإنه عرضة للفشل والانهيار؛ لأن جمع الناس من غير فكرة أمر ليس صعبا، ويمكن جمع الناس لتشجيع فريق كرة القدم مثلا أو غيرها من الأمور التي يجتمع حولها الناس من غير فكرة؛ لكن كل تجمع لا يقوم على فكرة فإنه لا يدوم طويلا، وإذا دام فإنه لا يصمد أمام أي هزّة من محن الاختبار، وحزب لا يملك الفكرة فإن مصيره لا يخلو من أحد الأمرين:

 

  1. الانحراف عن المسار المحدد الذي يسير فيه.

  2. الذوبان في كتلة أخرى.

    ثانيا: الجماهير والأنصار: إذا كانت الفكرة أساس النجاح لأي حزب سياسي بل من المكونات الأساسية، فإن الفكرة مهما عظم شأنها لا قيمة لها في أرض الواقع ما لم يؤمن بها عدد من البشر يتحركون بها فيما بينهم، ويدعون إليها غيرهم، ويضحّون في سبيلها، ويدافعون عنها، والجماهير من غير فكرة كقطيع من البهائم، والفكرة من غير جمهور لا تحدث أثرا في واقع الحياة.

    ثالثا: الأرض والوطن: والأرض تعني الموطن أي الدولة بيابستها وبحارها (مياهها الإقليمية) وفضائها (مجالها الجوي)، وتكون للشعب سيادة على هذه الأرض يتحركون فيها بحرية، ويستفيدون من خيراتها.

    فإذا وجدت الفكرة التي تتميز بالشمول والمرونة والواقعية، ووجد الجمهور المستعد للبذل والتضحية من أجل الفكرة، ولم توجد الأرض التي يسكن فيها، ويحقق عليها تطلعاته؛ فلا جدوى من الجمهور ولا الفكرة.

    فهذه الأضلاع الثلاثة تعتبر المكونات الأساسية لأي حزب سياسي.

    في بعض الأحيان تكون الأرض منقوصة السيادة كالتي يحتل جزء من أراضيها، أو عليها وصاية من جهات أجنبية تمنع سكانها وأهلها من ممارسة حقهم الطبيعي في تنميتها واستثمارها والانتفاع بخيراتها، وفي أحيان أخرى تكون الأرض منزوعة السيادة كالتي ترزح تحت الاحتلال العسكري المباشر؛ كما كان الحال في معظم بلدان العالم الإسلامي بعد سايكس بيكو، وكما هو الحال اليوم في أرض فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من البلدان المحتلة.

    في حالة نقص السيادة وانتزاعها من أي أرض؛ فإن وظيفة الحزب السياسي في هذه الأرض تنحصر في استكمال السيادة في الحالة الأولى، والاستقلال والتحرر في الحالة الثانية، وتتحول برامج الحزب في مثل هذه الحالة لبرامج مقاومة وجهاد لطرد العدو، أو لرفع الوصاية، ويكون الخطاب السياسي في هذه المرحلة تعبوي وتحريضي ومفرداته تعلي من شأن الروح الوطنية، وأيضا يكون الخطاب تصالحي مع كافة القوى السياسية لخلق حالة جبهوية وطنية متماسكة يصعب اختراقها واستمالة جزء منها لصالح مشروع العدو المحتل، والحزب الذي ينجح في توحيد الجبهة الداخلية وقيادة النضال حتى التحرير يكون له استحقاق شعبي يمكنه من قيادة الدولة والمجتمع بعد الاستقلال .

 

وظيفة الحزب السياسي ومهمته:

 

بعد توفر الشروط الثلاثة لتكوين الحزب السياسي تبقى وظيفة هذا الحزب هي كيفية تحويل الفكرة من مبادئ عامة وأهداف إلى برامج سياسية تلبي تطلعات وأشواق وحاجيات الناس اليومية، وهذه الأمور تختلف من بلد لآخر، فالبلاد التي تعاني من الاستبداد والقهر وحكم الفرد المتسلط الفرعوني، وهي حال معظم البلاد العربية والإسلامية تكون مهمة الحزب السياسي: نشر ثقافة الشورى والحرية وتعريف الناس بحقوقهم وحثهم على التمسك بها ومقاومة الاستبداد وتعريته.

 

وإذا كانت البلاد تعاني من العنصرية والطبقية وتهتك النسيج الاجتماعي تكون مهمة الكتلة السياسية: طرح برامج تعلّي من شأن المساواة بين أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات وأمام القضاء وأمام الوظائف والخدمة المدنية، والعمل على تقوية الروابط الدينية والوطنية ونقض الخطاب العنصري وتفنيده.

 

وإذا كانت البلاد تعاني من الفقر والتخلف الاقتصادي وتفشي الأمراض والأوبئة أو تعاني من عدم توازن التنمية: ينظر الحزب السياسي إلى أسباب هذه الحالة فإذا كانت من شح في الموارد، أو تكاسل عن العمل؛ فإن برنامجه يكون حسب نتائج التحليل لسبب وجود هذه الإشكالات الاقتصادية وملحقاتها؛ فيكون في الحث على العمل وإتقانه وطرح برامج تنموية تتناسب مع حال البلد زراعية، صناعية أو تقنية (استخرج نفط أو غاز أو معادن أخرى) ورفع شعار وظيفة وفرصة عمل لكل قادر، وإذا كانت الحالة ليست نتيجة شح في الموارد ولا تقصير في العمل وإنما السبب المباشر هو سوء في توزيع الثروة وظلم اجتماعي تكون مهمة الكتلة السياسية: طرح برامج العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة والقيام بإحصائيات الناتج القومي وبيان حجم الفساد لجماهير الشعب لإيجاد حالة شعبية رافضة للظلم الاجتماعي، للوصول إلى تغيير السلطة.

 

الحزب السياسي وصناعة الأكثرية:

 

أيضا من وظيفة الحزب السياسي العمل على صناعة أكثرية تتبنى فكرته وتعمل على تنفيذ ما نتج عنها من برامج سياسية من خلال ابتكار طرق وأساليب تسويق جماهيرية جديدة غير مملة مثل الدراما والشعر.

 

الشعر والأدب:

 

أما الشعر فلا تحفظ عليه من قبل الإسلاميين، فقد كان للنبي ﷺ شعراؤه وخطباؤه، الذين كانوا ينافحون عنه وعن الإسلام، ويدعون إلى الدخول فيه، ويذكرون عظمته ومحاسنه، والمقصود أن يستقطب الحزب مجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء ويقوم بإعدادهم بأفكار ومبادئ وأهداف الحزب، حتى يتمكنوا من نظم كل ما يتعلق بالحزب من أفكار ومبادئ وأهداف وبرامج يتمكنوا من نظمها وصياغتها شعرا، ويمكن أن يتخصص كل شاعر في مجال معين، فمثلا أحدهم يجعل كل أشعاره في البرامج السياسية وتبني حاجات الناس، وآخر يجعل شعره في الأفكار والعقائد، وثالث يجعلها في المواقف الدولية ومناصرة الشعوب المستضعفة وهكذا، ومن ثم يتم عرضها على جماهير الأمة في منتديات شعرية في المهرجانات والمناسبات الوطنية والقومية، وهذه طريقة محببة للنفوس كما أنها طريقة جديدة ومبتكرة لصناعة الأكثرية للحزب.

 

الدراما والتمثيل:

 

معظم الإسلاميين لهم موقف سلبي تجاه الدراما بل معادي وأحيانا محرم لها، والدراما في عالم اليوم أصبحت من أهم الوسائل المستخدمة في صناعة الأكثرية وتشكيل الرأي العام، وفعل الدراما في المجتمعات كفعل السحر من حيث التأثير سلبا وإيجابا خصوصا التمثيل، أفلاما ومسلسلات ومسرحيات، ومن الخسارة الكبرى ألا يستخدم الإسلاميون هذه الوسيلة عظيمة التأثير لمعالجة إشكاليات الأمة: من انحراف العقيدة وحتى إماطة الأذى من الطريق، والإسلام لم يحرّم التمثيل ولا يوجد دليل على أنه مكروه، وهو قطعا من الأمور المباحة، والذين يحرمونه من العلماء أو من أتباعهم إنما يحرمونه وفي مخيلتهم هوليود الأمريكية وإنتاجها السينمائي والشاشة العربية بمسلسلاتها الخليعة الماجنة، ولا شك أن ما يقدم في شاشتنا الأرضية منها والفضائية فيه من الشر والفساد ما لا يعلمه إلا الله، والعلة ليست في الدراما ذاتها كفن من الفنون؛ إنما العلة في هذه المؤسسات والقائمين عليها حيث أرادوا بها تدمير وتحطيم الأمة في أخلاقها وثقافتها خصوصا الأمة الإسلامية، لأنها تحمل مشروعا سياسيا إنسانيا حضاريا عالميا شاملا، فصانعوا الدراما ركزوا على تحطيمها عقائديا وأخلاقيا وسلوكيا حتى لا تنهض بواجباتها تجاه الناس {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.

 

والدراما العربية القائمة اليوم مع أنها تتناول بعض إشكالات المجتمعات العربية مثل تجارة المخدرات، والفساد من رشوة، ومحسوبية، وغيرها من الإشكالات الاجتماعية، وتحاول طرح بعض لحلول لهذه الإشكالات إلا أنها في طريقة العرض تجعل التركيز على مشاهد فرعية لا علاقة مباشرة لها المشكلة محور العمل الدرامي المعين، وحتى الدراما الإسلامية التي تتناول ما يعرف بالمسلسلات التاريخية مثل فيلم الرسالة، ومسلسل خالد بن الوليد، ومسلسل عمر بن عبد العزيز، ومسلسل صلاح الدين، ومسلسل طارق بن زياد وغيرها، مع أهمية هذه الشخصيات ودورها التاريخي العظيم إلا أنها تعرض بطريقة لا تؤدي الغرض المنشود منها؛ خصوصا عرض العلاقات الأسرية وعدم الموضوعية والواقعية في ذلك، ويتجلى عدم الموضوعية في أنه لا يخلو فيلم أو مسلسل ديني من قصة عشق وغرام، وتبرج وعري، والمفترض أنها تعبر عن مجتمعات لا يوجد عندها تبرج وسفور أصلا!

 

وقد جاء في تبليغ الدعوة استخدام التمثيل؛ كما جاء في حديث جبريل الطويل حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بينما نحن جلوس عند رسول الله ﷺ؛ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يعرفه منا أحد ولا يرى عليه أثر السفر، فجلس إلى النبي ﷺ وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه إلى فخذيه فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال الإسلام: (أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).

 

فقال: صدقت فعجبنا له يسأله ثم يصدقه ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله).

 

فقال أخبرني عن الإحسان؟ قال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). فقال أخبرني عن الساعة؟ قال (ما المسئول عنها بأعلم من السائل).

 

قال أخبرني عن أماراتها؟ قال: (أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان).

 

ثم انطلق فلبثنا مليا فقال رسول الله ﷺ: (أتدرون من السائل)؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، فقال: (هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم).

 

والحديث كما هو معلوم يبيّن الإسلام من العقيدة وحتى الرقابة الذاتية للنفس، ويلاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم وصفوا هذا الرجل بدقة متناهية مما يؤكد اهتمامهم وتركيزهم فيه، والتعليم عن طريق التمثيل يثير انتباه المتلقي أكثر من استخدام أي وسيلة أخرى، والحديث فيه مشهد درامي رائع؛ لأن الرجل الذي أثار انتباه الصحابة حتى وصفوه بهذه الدقة لم يكن رجلا إنما كان ملكا في صورة رجل، والمقصود أن تحصل أعلى درجة من الاهتمام والتركيز في التعليم، وكان بإمكان النبي ﷺ أن يعلم أصحابه أركان الإسلام وأصول الإيمان والإحسان منه مباشرة دون مجيء جبريل في صورة رجل؛ كما كان يحدث ذلك طرق تبليغ الدين، فاستخدام هذا المشهد الدرامي البديع يفتح آفاقا جديدة لاستخدام وسائل وطرق أخرى في الدعوة والتبليغ للدين، وبالطبع ليست هذه الطرق الوحيدة.

 

البرنامج السياسي للحزب:

 

البرنامج السياسي لأي حزب يأتي من فكرته، ومبادئه، ومن نظرة هذه الفكرة للإنسان؛ لأن محور البرنامج السياسي يقوم على إشباع حاجات هذا الإنسان الضرورية والكمالية.

 

فالحزب الذي ينطلق من عقيدة الإسلام ومبادئه؛ كما هو الحال في أحزاب (مؤتمر الأمة) والأحزاب المكونة له في مختلف أقطاره، تختلف نظرته للإنسان عن الأحزاب العلمانية شيوعية كانت أو ليبرالية، فالإنسان في الإسلام خلق رباني يختلف عن باقي المخلوقات في طبيعة تكوينه وفي وظائفه وفي غاياته، فهو مزدوج التكوين من قبضة الطين ونفخة الروح، {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين}. فللطين أشواقه ومتطلباته، وللروح أشواقها ومتطلباتها؛ لذا تنقسم حاجات وضرورات الإنسان إلى قسمين:

 

  1. الحاجات المادية: مثل الطعام، والمسكن، وما لحق بذلك.

  2. الحاجات الروحية، أو المعنوية: مثل الإيمان بالله والتقرب إليه والتوكل عليه، وما لحق بذلك.

    وهذه الحاجات متشابكة ومتداخل مع بعضها البعض، فتحقيق ما هو مادي يقود إلى تحقيق ما هو روحي ومعنوي.

    والضرورات والحاجات الإنسانية جاءت في نصوص القرآن والسنة مجملة، نذكر بعضا منها على سبيل المثال، كما قال الله تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} وقال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}، وهذه الآيات تتحدث عن ضرورة العدل وأهميته في المجتمع وهو من الضرورات المادية والروحية.

    وقال تعالى حاكيا على لسان إبراهيم {والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ثم يحيين. والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين}.

    فهذه الآية الكريمة أشارت إلى الغذاء بشقيه: الطعام والماء، والدواء، وهي من الحاجات المادية، كما أشارت إلى غفران الخطايا يوم القيامة، وهي من الحاجات الروحية المعنوية.

    وقوله تعالى مخاطبا آدم وذريته: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا} وقال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}.

    وهذه الآيات تتحدث عن ضرورة الكساء والملبس الذي يستتر به الإنسان وهي ضرورة مادية، وتتجاوز الضرورات والحاجيات إلى الكماليات (الزينة)!

    وقال تعالى: {إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}.

    وهذه الآية الكريمة مع أنها تتحدث عن نعيم الجنة الذي كان يعيش فيه آدم قبل أن يخرج منها، والذي ينتظر المؤمنون العودة إليه مرة أخرى بعد دخولهم الجنة برحمة من الله وجزاء أعمالهم، إلا أن هذا النعيم المذكور يبقى مطلوب الإنسان في الحياة الدنيا، والآية فيها إشارة للطعام والملبس والماء؛ وهي حاجات مادية.

    وقوله تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}.

    وفي هذه الآية الكريمة إشارة إلى الطعام والأمن وهي من الحاجات الضرورية المادية والمعنوية.

    وقوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الاكرم. الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم}.

    وهذه الآية الكريمة فيها إشارة لضرورة العلم والقلم والتعلم وهي أم الحاجات والضرورات وتدخل في حاجات الإنسان المادية والروحية؛ بل هي قوام نهضة الحضارات.

    أما السنة؛ فقال ﷺ: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)؛ لأن العلم أساس النهضة والتنمية، فجعله النبي ﷺ من الفرائض، والفرائض تؤدى في كل الأحوال ولا تضيع، وإذا عجز الفرد عن أدائها أعانته الجماعة، فواجب (الدولة والسلطة) توفير ما يمكنه من القيام بهذه الفريضة، والفرائض أعلى مرتبة من الحقوق.

    وقال ﷺ: (من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها).

    وهذا الحديث أصل في البرنامج السياسي وفيه دلالات عميقة منه ضرورة:

 

  1. أن يعيش الإنسان ضمن منظومة اجتماعية وليس بمفرده، فهو يعيش في (سربه) وبيته وأسرته الخاصة، ويطلب داخل هذا المجتمع الذي يعيش فيه ألا يعتدي أحد عليه لا في نفسه ولا على ماله ولا على عرضه، ولا يعتدي هو على غيره؛ وهذه أهم الضرورات والحاجات.

  2. وأن الإنسان داخل هذا المجتمع لابد له من مسكن يحميه من البرد والحر ويستتر فيه ويحافظ على خصوصيته.

  3. وأنه داخل هذا المجتمع لابد له من فرصة عمل تناسب قدراته العقلية والجسدية وتراعي تخصصاته المهنية، يتقاضى منها أجرا يتناسب مع جهده، ويغنيه عن الحاجة والعوز ويدفع عنه الفقر (عنده قوت يومه)، بما في ذلك توفير فرص العمل المشروع، وتأمين احتياجات من لا عمل له.

  4. كما لابد له أن يجد الوقاية من الأمراض (معافا في بدنه) وإذا مرض لابد له من العلاج، وما يتطلب ذلك من بناء المشافي وتوفير الأدوية، ومعدات الفحص والتشخيص، وتأهيل الكوادر الطبية.

    حديث آخر قال رسول الله ﷺ: (الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار).

    وهذا الحديث يشير الثروات القومية والموارد الطبيعية، وللأموال العامة، التي لا يمكن أن يستأثر بها أحد دون الآخرين كما أنها ليست للملك الخاص، الكلأ يشمل كل ما على الأرض وما في باطنها، والنار تشمل الطاقة بكل مكوناتها مثل الكهرباء والوقود.

    وهناك أحاديث تدخل في البرنامج السياسي ضمنا، كتلك التي تتحدث عن البيئة والمحافظة عليها، الطرقات وإماطة الأذى عنها والثروة الحيوانية والاهتمام بتنميتها وزيادتها، والأرض وإحياء مواتها والمحافظة على جمالها ومنارها. من هذه الأحاديث: (من أحيا مواتا فهو له) (لعن الله من غيّر منار الأرض) (لا تقطعوا شجرة مثمرة) هذا غير النهي عن ذبح الإناث من الأنعام بقصد تكاثر الأنعام.

    فمن خلال هذه النصوص التي ذكرناها من القرآن والسنة وغيرها من الأدلة التي لم نذكرها -وهي كثيرة- يتبين لنا أن البرنامج السياسي يقوم على محورين:

    المحور الأول:

    تنمية الموارد القومية، تنمية مستدامة متواصلة تواكب عناصر النهضة الحديثة مستخدمة العلم والتقنية الحديثة والتكنولوجيا ومتوازنة تشمل جميع المناطق التي توجد فيها هذه موارد.

    والموارد التي يجب تنميتها والمحافظة عليها هي هذه الأصول الثلاثة:

 

  1. المياه: وهي أساس الحياة، وما فيها من ثروات، من أسماك وجواهر وغيرها {وجعلنا من الماء كل شيء حي} ويكون بالمحافظة على المنابع وحمايتها، وكيفية تخزينها من بناء سدود وخزانات وحفر آبار، وطريقة الاستفادة منها في الري للزراعة، وتوصيلها للجميع للإنسان والحيوان؛ للشرب والاستخدام، وترشيد الاستهلاك...إلخ.

  2. الطاقة: وكيفية الحصول عليها ويكون بإنتاجها بطرق علمية عن طريق التوليد للكهرباء، من الماء، أومن الطاقة الشمسية، أو من المفاعلات النووية، أو التنقيب للنفط، ومشتقاته وطريقة توزيعها، وإيصالها لأفراد المجتمع للاستفادة منها.

  3. الأرض: وما فيها وما عليها، من كنوز ومعادن، ومن زروع وحياة برية، ويكون باستغلال ما هو صالح للزراعة بأعلى درجة، وتوفير ما يلزم ذلك من الري وحسن التحضير، والأسمدة، وتحديد أنواع المزروعات من حبوب أو خضر أو فواكه حسب نوع التربة والمناخ والحاجة القومية، ومتطلبات السوق المحلية والعالمية، ويشمل الثروة الحيوانية، وتكون تنميتها بتحسين طرق الرعي وتحديثه، وتوفير الرعاية البيطرية المناسبة، وتحسين النسل، وإتباع الطرق العلمية في الذبح والتصدير، ويشمل أيضا ما في باطن الأرض من المعادن من ذهب، ونحاس، وحديد، ونفط، وغيرها ويكون باستخراجها وتحديد حاجة الدولة منها، وتصدير الفائض لجلب العملة الصعبة للاستفادة منها في تتمة حاجات أخرى غير متوفرة في البلاد .

    هذه الثروات الطبيعية يختلف وجودها كمًّا ونوعا من بلد لآخر، والحزب السياسي الناجح يضع برنامجه السياسي لتنميتها حسب المعطيات والإمكانات المتاحة أمامه في البلاد التي يعمل فيها، فالبلاد النفطية الصحراوية مثلا لا يكون برنامج الحزب فيها لتنمية الثروة السمكية أو الثروة الحيوانية أو الزراعة، وهكذا يضع الحزب ويبني برامجه السياسية حسب حاجات شعبه من جهة وحسب إمكانيات وموارد بلده الطبيعية من جهة أخرى.

    المحور الثاني:

    وهو العمل على إشباع حاجات أفراد المجتمع المادية والروحية الضرورية والكمالية بصورة تكفل لهم الحياة الكريمة. وتتمثل هذه الحاجات في الآتي:

 

  1. تحقيق الحرية: وتشمل حرية العبادة والفكر، وحرية الانتماء السياسي، والإقامة والترحال، وغيرها من الحريات العامة والخاصة.

  2. صيانة العدل: وهو ضد الظلم والجور ويكون في الحكم والقضاء والشهادة بتبني تشريعات تساوي بين أفراد المجتمع أمام القانون وفرص العمل وفرص التعليم.

  3. تحقيق الفخر والكرامة: ويكون بالنصر وبالنجاح بالانتماء الوطني والتاريخي.

  4. توفير المسكن: وتأمينه لكل أسرة ويكون مناسبا وساترا وآمنا.

  5. توفير الملبس: ويشمل كل ما يرتديه الإنسان من ملابس يستر بها نفسه ويتجمل بها.

  6. توفير الطعام: وكل ما يغذي من أكل وشرب لكل إنسان.

  7. تأمين العمل: ويكون مناسبا للقدرات والمؤهلات والتخصصات.

  8. تأمين الصحة: ويشمل كل ما يمنع من الإصابة بالأمراض والتداوي منها.

  9. التعليم: ويشمل مناهج التعليم، والأماكن الخاصة بالتعليم، والكوادر المؤهلة للتدريس.

  10. الأمن والأمان: ويشمل الأمان النفسي، والأمن على الأرواح والأعراض والممتلكات... إلخ.

  11. المواصلات: وتشمل وسائل التنقل والمواصلات العامة والخاصة.

    والحزب السياسي الناجح هو الذي يحمل أكثرية الناس للعمل من أجل تنفيذ هذا البرنامج.

 

الكادر السياسي وإعداده:

 

الكادر السياسي هو الذي يتبنى أفكار الحزب ويسعى لنشرها وجلب الأكثرية لها، ويبلور منها برامج سياسية، ولا شك أن هذه مهمة ليست بالسهلة وهي مشابهة لمهمة الرسل عليهم من الله السلام؛ لأنها تهدف للتغيير من حال إلى حال، فتحتاج إلـى كوادر من إعداد خاص وبعناية فائقة والأمور المعينة للكادر السياسي كثيرة نذكر منها:

 

  1. التحصيل (العلم): والعلم لا يقصد به العلم الأكاديمي المعين في المجال المعين مثل الطب والهندسة وغيرها؛ فهذه علوم على أهميتها لا يختص بها الكادر السياسي دون غيره، كما لا يقصد به حفظ الحواشي والمتون العلمية مع أنها مهمة أيضا، والمقصود من العلم وتحصيله: العلم بالمجتمعات ورصد الظواهر فيها والتعرف على الثقافات داخل المجتمع؛ لمعرفة كيفية إحداث التغيير نحو الأفضل، وكرصد ظاهرة صعود وهبوط الحضارات، والتعرف على التجارب الإنسانية، والاهتمام بالعلوم الاقتصادية، والتعمق في علوم حقوق الإنسان وقضايا الحريات والاهتمام بالقوانين الدولية، والجمعية العامة للأمم المتحدة وميثاقها، والحروب وقوانينها الدولية، واتفاقية جنيف للأسرى...إلخ.

    فالكادر السياسي لا يستغني عن العلوم ومتابعة الأحداث والأخبار وفوق ذلك علمه التام بفكرته ومبادئه وأهدافه والمرحلية منها والإستراتيجية.

  2. الالتزام بالعبادات؛ كالصلاة والصوم والحرص على أداء الفرض منها والتطوع؛ لأثرها التربوي فالصلاة مثلا لها دور كبير في ضبط حركة الكادر السياسي، فهي أولا تعوده الانضباط بالمواعيد واحترام الزمن؛ لأن الله جعلها كتابا موقوتا {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}، إن تحديد عدد الركعات في الصلاة يؤهل الكادر السياسي للأداء الملتزم في تحديد المطلوب إنجازه على وجه الدقة، وكذا الصوم والحج الالتزام بهما يؤهل الكادر السياسي لتحمل المشاق والتعب، المهم أن الكادر السياسي لابد له من الارتباط بالعبادة ويجعل له ورد من الأذكار طاعة لله في أولا، وتربية وترويضا لنفسه ثانيا .

    ولذلك نجد الله تعالى بعد أن أمر نبيه ﷺ بالعلم والقراءة (اقرأ) أمره جلا وعلا بالعبادة عموما وبالصلاة وقيام الليل خصوصا لإعداده واصطناعه ليقوم بأكبر عملية تغيير في تاريخ الإنسانية على كافة المستويات وأبرزها الجانب السياسي {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}.

  3. الصبر وبعد النظر والتمسك بالأمل : فالكادر السياسي لابد أن يكون صبورا يتحمل الأذى من الآخرين، ويتحمل أعباء طول الطريق وقلة الأنصار المعاونين، وشدة وجبروت المعارضين، والنبي ﷺ عندما جاءه الخباب بن الأرت يشكو طغيان قريش وجبروتها؛ ذكّره عليه السلام بأيام الصبر وتاريخ الرسالات وأتباعهم وصمودهم في وجه وحشية الخصوم والحديث معروف، كما أيضا يجب على الكادر السياسي أن يتمتع ببعد النظر والتخطيط الإستراتيجي والعمل للمستقبل والبعد عن الاستعجال والتمسك بالأمل في أسوأ الظروف، فالنبي ﷺ عندما أصابه الأذى من أهل الطائف وجاءت لحظة النيل منهم والانتقام ووضع الله تعالى ملك الجبال رهن إشارته؛ نظر النبي ﷺ إلى المستقبل وقال: (إني لأرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله و لا يشرك به شيء).

    خطوط حمراء لا يقربها الكادر السياسي:

 

  1. الكادر السياسي الناجح يجب عليه ألا يطرح نفسه للناس واعظا؛ لأن الوعظ في العمل السياسي يكثر من جلد الذات والشكوى ويبرر للواقع الموجود ولا يقدم حلولا لمشكلات المجتمع.

    والنبي ﷺ لم يكن واعظا في الأصل، بل كان يعظ أحيانا، ويتحين الفرصة للموعظة، كما يترك الوعظ للضمير والإيمان بالقضاء والقدر، فيقول (من لم يعظه الموت فلا واعظ له).

  2. الكادر السياسي ينأى بنفسه عن الدخول في المسائل الفقهية والخلافية؛ لأن مهمته هي صناعة الأكثرية (كسب أكبر عدد من الناس لتبني فكرته ومشروعه) والخوض في المسائل الخلافية يفرق ولا يجمع ويصنع معركة في غير معترك.

  3. الكادر السياسي يبتعد كل البعد عن أي عصبية مهما كانت صغيرة خصوصا إن كانت قبلية أو طائفية، بل حتى المذهبية لا ينبغي له أن يظهرها؛ لأن أي مظهر للعصبية في التوجه السياسي يعني تصنيفه ومن ثم تحجيمه؛ بينما يجب أن يطرح نفسه كمصلح يريد الخير للجميع ولخدمة كافة أبناء وطنه بغض النظر عن اختلافهم القبلي والعرقي والمناطقي والثقافي والديني.

 

الأداء السياسي .. قيم وأخلاق:

 

لم يكن العمل السياسي يومًا ما هدفًا وغاية، كما لم يكن احترافًا يمارس من خلاله السياسيون فن اللعب على الحبال تناغمًا مع إيقاعات الأهواء والمشتهيات وإيحاءات الذات كما هو ديدن الكثير من الساسة الذين لا يتحرجون من ارتكاب كل موبقة تحقيقًا لنجاحات محدودة لا تعدل في حسابات الرحمن والزمان شيئًا مذكورًا، وإنما العمل السياسي في الإسلام عبادة تقرّب من يتعاطاها إلى الله زلفى، من خلال خدمة خلقه والعمل على حل مشكلاتهم والسعي لسعادتهم، وإعمار أرضه، وبما يعني أن العمل السياسي آلية عمل تؤطرها الشريعة بحدود الخير والحق والعدل، وتحكمها بخطوط الحلال والحرام، وأن الخروج عن هذه الحدود والخطوط يعني البعد عن الهدف والخروج عن دائرة المباح والارتكاس في وهدة المعاصي والتحلل من الالتزام المبدئي والأخلاقي الذي هو أبرز سمات قيم الحضارة الإسلامية، وبدونها سوف يخسر الكادر السياسي نفسه ويعرض للنقد مبادئه، بل ويساهم في تشويه الصورة المشرقة لفكرته وقيمها الخيرة حينما يعكسها على غير حقيقتها من خلال ممارساته الخاطئة التي قد لا تمت إلى إيمانه بفكرته بصلة، وإذا ما وجهت عيون الرصد الاجتماعي صوب الساسة وهي تراقب أعمالهم، وتقيم ممارساتهم، فإن هذه العيون تتعامل مع الإسلاميين بالذات بحساسية مرهفة ولا تكتفي برصدهم ومراقبتهم، وإنما تتجاوز ذلك حينما تحسب أعمالهم وممارساتهم مصاديق مجسدة للإسلام والحضارة الإسلامية، فتحمّل الإسلام مسئولية أخطاء من يرفع شعارا إسلاميا ويقدم ممارسة غير راشدة، فالذي يتسربل أثواب النقاء الإسلامي ولا يصونها، ويرتدي زي الطهر المبدئي ولا يرعاه أو يراعيه؛ فإنه يساهم في فقدان المصداقية ليس لنفسه فحسب؛ بل لفكرته بكاملها؛ إذ بقدر ما يمنح الإسلام الدعاة إليه ومن يتصدرون العمل السياسي فيه ويتطوعون لترقية الحياة الإنسانية؛ قدرًا من التكريم والتعظيم والاحترام والاهتمام، فإنه في الوقت نفسه يضعهم تحت المجهر والأضواء الكاشفة من خلال تركيز الرقابة الجماهيرية على أدائهم الخاص والعام وسلوكهم والتزامهم بالقواعد الأخلاقية، وهي ترى -أي الجماهير- بوضوح ما يعلق بأثواب القداسة الدينية البيضاء من أدران تلوثها؛ ولذلك يفترض بالكادر السياسي الإسلامي أن يحترم نفسه ومبادئه والقيم التي يؤمن بها ويدعو الآخرين إليها.

 

وإذا ما تصور الكادر السياسي الإسلامي أن العمل السياسي هو "فن الممكن" بلا حدود أو قيود؛ فإنه بذلك يرمي بنفسه في ساحة موبوءة لا يسلم من أكدارها وأقذارها مهما اعتد بنفسه وفاخر بها وكابر؛ لأن الجماهير المؤمنة بالإسلام لا تريد من السياسي الإسلامي أن يحقق أهدافه بأي ثمن وبكل قيمة، كما أن الإسلام لم يمنحه الحصانة المطلقة في كل ما يقدم عليه من أعمال وممارسات حتى لو كانت خاطئة ومسيئة. وتظل القيمة الأخلاقية هي المعيار، والتقوى والاستقامة هما المقياس لكل حركة وسكنة وقول وعمل؛ فلا قداسة دينية لأحد تجعله فوق المحاسبة. وخشيتنا على الكثير من الإسلاميين الذين يلجون بوابات الساحة السياسية أن تفرض تلك الساحة نفسها ومعاييرها ومعطياتها عليهم بكل ما فيها من سلبيات؛ فينساقون خلف حداة قوافلها في صحراء التيه متأثرين بأجوائها وإفرازاتها وقد يتحولون في مواقع التماس وتحت ضغط الواقع إلى أناس يبررون ما يقدمون عليه من أخطاء، وقد شهدنا كيف يختلق بعض الإسلاميين المعاذير لأخطائهم، بل وقد يتجاوز البعض منهم حتى القيم التي يؤمنون بها ويدعون إليها؛ لتحطيم خصومهم أو من يخالفهم الرأي والرؤية حتى لو كان هؤلاء المخالفون والمختلفون من إخوانهم الإسلاميين الذين يعملون لتحقيق نفس الأهداف التي يؤمن بها الجميع، وهنا يدخل الحسد و الغيرة وربما الهوى أيضًا، ولا يتورعون من استغلال الإطار الديني وتوظيفه توظيفًا سيئًا؛ لتبرير ممارساتهم وأخطائهم، بل وعدوانيتهم أيضًا، وذلك دفاعًا عن هتكهم للحرمات والحقوق والحريات، حيث لا يكتفي بعضهم بمهاجمة الآخرين ونهش لحومهم واغتيال سمعتهم، وإنما يعمد للتنظير لهذا العمل الشائن؛ فيفسق الآخرين أو يكفرهم أولًا؛ لكي يتسنى له ثانيًا أن يأكل لحومهم بلا رحمة وبلا حرج، وكأن التكليف الشرعي يدعوه للانتقام منهم باعتبارهم أعداء لله ولرسوله وللإسلام والمسلمين، وبذلك فهو لا يحاربهم "على حد زعمه" إلا قربة إلى الله تعالى، حتى لو كانوا إخوة الأمس ورفاق الدرب وشركاء المصير؛ وبذلك قد يتحول البعض إلى معول هدم للإسلام والمسلمين.

 

إن الإسلام الذي يحترم حقوق الآخرين بغض الطرف عن دينهم لا يسمح لمعتنقيه أن يجعلوا من أهوائهم مقياسًا لفهم النصوص والأحكام، وقد شهد التاريخ الإسلامي المشرق ألوانًا من التعاطي الإسلامي الرائع مع الخصوم ما أعطى للحضارة الإسلامية بعدًا إنسانيًا خلاقًا تجاوز حدود الزمان والمكان، حينما دوّن لائحة حقوق الأعداء حتى بعد الانتصار عليهم؛ ليفتح بذلك القلوب قبل الأراضي، وما زالت ذاكرة الحياة والشعوب والمجتمعات تختزن من المواقف الإسلامية الرائعة ما ينبغي للإسلاميين اليوم أن يعيدوا قراءته بوعي؛ لكي يستلهموا منه القيمة والخبرة العميقة في التعاطي الإيجابي البنّاء مع الآخر، وإن كان عدوًّا، وذلك هو ما صيَّر من هذه المواقف أرقامًا ضخمة تستعصي على الشطب وعلى إنكار المنكرين وجحود الحاقدين؛ ولذلك لابد للسياسي الإسلامي من استذكارها واستحضارها لكي لا نعرّضها للنسيان أو التناسي ونحن في معمعة الصراع ودوامة النزاع، فنمشي عراة مجردين من أثوابها الزاهية في معتركات التدافع لنظهر سوءات أعمالنا وكأنها التطبيقات الممكنة للإسلام؛ وبذلك نقطع الطريق إلى الله حينما نسيء للإسلام من خلال أخطائنا؛ لأن الأداء السياسي هو الوجه البارز للرصد في سوح النشاط العام، الأمر الذي يدعونا لمراجعة الذات والمواقف والحسابات؛ لأن السياسة مزلق من مزالق الشيطان ما لم تلجم خيول فرسانها التقوى وتعقلها الأخلاق الإسلامية فتحول بينها وبين السقوط في مستنقع الأنا والذات وحب الدنيا وإغراءات الحياة، والعاقبة دائمًا وأبدًا للمتقين.

 

مهارات في العمل السياسي:

 

1- تأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية:

 

إلى وقت قريب كان أكثر الإسلاميين يرون تشكيل الأحزاب حرام وبدعة؛ ظنا منهم أن الأحزاب تنافي الاعتصام والتعاون على البر والتقوى، ويستدلون ببعض الآيات في القرآن وبعض الأحاديث؛ منها قوله تعالى: {منيبين إليه واتقوه ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} وقول النبي ﷺ في شأن الفرق: (إذا رأيت هوى مطاع وشحا متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ فاعتزل تلك الفرق ولو تعض على أصل شجرة) أو كما قال صلوات الله عليه وسلامه.

 

وهذه النصوص لا تعني بأي حال من الأحوال حرمة الأحزاب؛ بل الآية تتحدث عن المشركين الذين فرقوا دينهم، لكل فرقة أصنامها وأوثانها، وإنما الإسلام دين التوحيد والوحدة، وهذا لا ينافي وجوب العمل الجماعي لكل فرض كفائي، لا يتم إلا بالجماعة؛ كما قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}، وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، فإذا جاز للفرد المسلم ممارسة العمل السياسي؛ فالجماعة من باب أولى.

 

فالحزب هو جماعة من الأفراد تؤمن بمشروع سياسي وتسعى للوصول إلى السلطة لتنفيذه.

 

ويمكن أن ينظر للأحزاب على أنها فرق عمل تنافسي تبرز أصحاب القدرة والكفاءة في إقامة الدين وتلبية حاجات الناس مادامت الأمة قد حددت ثوابتها في قضايا الهوية الثقافية والمرجعية التشريعية والقواعد الأخلاقية والسلوكية لحركة المجتمع؛ وبهذا المفهوم تصبح قضية تكوين الأحزاب ضرورة للأداء السياسي بشفافية، تمكن الأمة من القيام بدورها في الرقابة والمحاسبة للسلطات؛ لا سيما في هذا الزمن الذي تشابكت فيه القضايا وتشابهت فيه المطالب، ولابد من توسيع قواعد العمل السياسي بين المسلمين بالأحزاب السياسية؛ فالإسلام ينصره المتدينون والمسلمون عموما، وكل من يؤمن به ولو ضعف إيمانه.

 

2- التحالفات السياسية:

 

الأصل في التحالفات الإباحة والجواز وهي لا تخضع لنصوص شرعية محددة؛ بل للأصل العام {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، ولحديث: (شهدت حلفا في الجاهلية على نصرة المظلوم لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت)!

 

والضابط النظر والترجيح وتقدير المصالح والمفاسد، فالمهم تحديد الهدف بدقة من التحالف وتحديد مدته ووضوح بنوده وإحكام ميثاقه، والتحالف يكون مع المخالف ويكون حتى مع الكفار؛ كما حالف النبي ﷺ خزاعة وهم على الكفر حيث حالفت قريش بني بكر في أعقاب صلح الحديبية المشهور؛ وهو مهم في إنجاز هدف كل مرحلة من مراحل النضال السياسي دون النظر للخلافات الفكرية أو المذهبية بغرض تحقيق الأهداف الكبرى.

 

3- منظمات الضغط السياسي:

 

وهي الواجهات التي يستخدمها الحزب لتوصيل أفكاره للجماهير، وطرح برامجه السياسية، أو التعبير عن قضية من القضايا العامة في كافة مراحله النضالية مثل: الاتحادات والنقابات، والجمعيات الثقافية والمنابر الإعلامية، والمنتديات الأدبية والشعرية.

 

4- مراحل النضال السياسي:

 

وهي ثلاث مراحل:

 

- المرحلة الأولى:مرحلة النضال السلبي (السري): وهذه المرحلة تكون في البلاد التي تسيطر عليها حكومات شمولية، أو تحت نفوذ الاستعمار الأجنبي، ولا مجال لإنشاء الأحزاب السياسية؛ فيلجأ الحزب لهذه الواجهات (النقابات والاتحادات...) ليستخدمها نيابة عنه معبرة عن أفكاره، متبنية برامجه، وتمارس أكبر ضغط على النظام للحصول على الانفراج السياسي أو توسيع هامش الحرية، وهذا لا ينافي الاستقطاب الفردي لعضوية الحزب.

 

- المرحلة الثانية:مرحلة النضال العلني: وهذه تكون في البلاد التي تعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، ويمكن الأحزاب أن تفتح دورها ومقارها بشكل رسمي ومعلن، وفي هذه المرحلة: تستخدم منظمات الضغط للتأثير على القوى السياسية؛ لتبني قضية محددة، وللتأثير على النظام؛ لتبني سياسات الحزب أو بعضها؛ كما تستخدم منظمات الضغط في هذه المرحلة للتعبئة الجماهيرية لصالح مشروع الحزب في مبادئه وأهدافه وبرامجه.

 

- المرحلة الثالثة:وهي مرحلة الممارسة للسلطة: وهي من أخطر المراحل النضالية على الحزب حيث اختبار الشعارات والتعرض لفتنة السلطة والثروة، وفي هذه المرحلة تستخدم الواجهات السياسية (منظمات الضغط) للقيام بالسياسة الشعبية؛ لأن في هذه المرحلة يكون الحزب مقيد ببرتوكول سياسي خاضع لسياسات دولية ومعاهدات أممية وعلاقات خارجية؛ فكل أقواله وأفعاله تحت المجهر، وهنا يأتي دور منظمات الضغط للتصدي للسياسات الدولية الجائرة والتدخل الأجنبي في شئون البلاد الداخلية، أيضا في هذه المرحلة: تستخدم منظمات الضغط لتخفيف حدة عمل المعارضة على الحكومة ؛خصوصا إذا تبنت الحكومة سياسات مصيرية في قضايا تنموية أو علاقات خارجية.

 

5-المفاوضات:

 

وهي إدارة الحوار بين جهتين أو أكثر لتحقيق بعض الأهداف لأي طرف من الأطراف؛ وهي من أفضل الوسائل لتحقيق التواصل بين القوى السياسية، وتبادل وجهات النظر في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتكون المفاوضات لحل نزاع وطني أو لإنهاء تمرد مسلح استعصى حسمه بالقوة العسكرية، وتكون المفاوضات بين دولتين لتحقيق أهداف مشتركة مثل إقامة شراكة اقتصادية أو حل مشكلة حدود وذلك بالتنازلات والعروض هنا وهناك، ورفع سقف المطالب تارة وانخفاضها تارة أخرى بالتمسك والتشدد أحيانا، بالمرونة والتسامح أحيانا أخرى؛ مما يوفر الجهد والوقت.

 

6-الانتخابات:

 

وهي الآلية التي تمكن جماهير الشعب من ممارسة حقوقهم في اختيار السلطة التي تمثلهم وتحقق طموحاتهم، وهي الاختبار الحقيقي لعلاقة أي حزب بجماهيره؛ كما تمثل المحك الأول لقدرة أي حزب على تنفيذ ما وعد به من برامج تنموية، والإسلام لا يرفض مبدأ الانتخاب والاختيار الحر؛ بل أصل الإسلام لمبدأ اختيار الأمة لسلطاتها وممثليها في أول مؤتمر لتأسيس الدولة الإسلامية حيث في بيعة العقبة الثانية اجتمع أكثر من سبعين رجل وامرأة من المسلمين من أهل يثرب لمبايعة النبي ﷺ على النصرة والسمع والطاعة وقول الحق في أي ظرف، ويظهر بجلاء من خلال بنود البيعة أنها بيعة سياسية بامتياز، وعندما أراد النبي ﷺ أن يتخذ منهم ممثلين (نقباء) طلب من الحضور أن يختاروا من يمثلهم وهم اثنا عشر نقيبا من الأوس والخزرج، وكان بإمكانه ﷺ أن يسمي من شاء تسميته من الحاضرين، ويكون فعله دينا يتعبد به إلا أنه ﷺ أرادهم أن يمارسوا حقهم في اختيار ممثليهم؛ ليقرر مبدأ الانتخاب كأساس للتنافس السياسي للسلطة وطريق للتغيير الآمن.

 

7- الاعتصامات والإضرابات والمسيرات والمظاهرات:

 

وهي وسائل للتعبير عن حالة رفض بعض السياسات أو إظهار حالة تضامن مع بعض القضايا أو الشعوب؛ وهي أدوات لتطوير المقاومة في العمل السياسي السلمي، وتكون بعد مرحلة انتشار الحزب وتوغله في مختلف فئات المجتمع.

 

8- المشاركة السياسية:

 

وتكون بعد ترجيح المصلحة بدرء المفاسد وجلب المصالح، وتكون بعد إعداد الكوادر المؤهلة والمدربة على قيادة دفة الحكم بكفاءة واقتدار في الاقتصاد والإعلام والعلاقات الخارجية وفي التربية والتعليم ومناهجه وغيرها من المجالات التي تصلح دولاب الحكم؛ لأن أخطر شيء على الحزب أن يمارس السلطة وهو غير مستعد لذلك، فقد تكون المشاركة في السلطة للحزب منفردا بها لامتلاكه الأغلبية التي تمكنه من ذلك، وهذه لا تكون إلا لحزب الجماهير الذي يستوعب كل قطاعات المجتمع، وهذه الحالة تتطلب التأهيل والاستعداد الكاملين؛ لأن مسئولية الأمة والدولة بكاملها تقع على عاتق الحزب، وقد تكون المشاركة في السلطة عن طريق ائتلاف بين حزبين أو أكثر وذلك حسب قوة وضعف تمثيل الحزب في المؤسسات الدستورية.

 

9- المعارضة السياسية:

 

المفهوم السائد للمعارضة في الديمقراطية الغربية التي انتقلت إلى البلاد العربية يعني كل من لا يشارك في الحكومة من الأحزاب؛ فهو معارض لأدائها وسياساتها، حتى ولو كانت الحكومة ناجحة في أدائها، والغريب في الأمر أن ما ينتقده السياسي وهو في المعارضة قد يدافع عنه ويمارسه وهو في الحكومة؛ وهذا المفهوم يولد حالة من النفاق العملي ويصادم المصداقية.

 

والمفهوم الصحيح للمعارضة هو التصدي للخطأ والباطل من أي جهة كان، ومساندة الحق من أي جهة كان؛ جاء في الحديث: (لا يكونن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس ان أحسنوا أحسنت وان أساءوا أسأت بل وطنوا أنفسكم ان أحسن الناس أن تحسنوا وان أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم).

 

المقصود أن يكون الحزب السياسي مستقل وله رؤية مستمدة من فكرة تكون مرجعية له يزن بها كل ممارسة سياسية سواء كان في الحكومة أو خارجها، فليست المعارضة من أجل المعارضة، وإذا تحدد مفهوم المعارضة بعيدا عن الأهواء وروح التشفي والانتقام والأحقاد؛ سيكون همّ الجميع خدمة الوطن والمواطن وتحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية للإنسانية؛ بهذا تكون المعارضة هي الطريق الأمثل لتمثيل مصالح الجماهير ضد الطغيان والظلم دون مساس بثوابت الدين والأمة.

 

 

 

10- سمات العمل السياسي الراشدي الناجح:

 

  1. السلمية: وتعني الابتعاد عن كل أشكال العنف سواء الإكراه بالتهديد والوعيد، والإغراء المادي وشراء الذمم، وإنما يكون الإقناع بالحجة والبرهان.

  2. النزاهة: وتعني الشفافية ونظافة اليد واللسان وإعمال الشورى.

  3. قبول بالتعددية: ويعني عدم العمل لإقصاء الآخرين والحجر عليهم ولو كانوا على النقيض في أفكارهم ومعتقداتهم؛ فتواجه أفكارهم بأفكار ومعتقداتهم بمعتقدات وبرامجهم ببرامج؛ ما داموا ملتزمين بالعملية السياسية السلمية.

  4. الحوار: ويعني التواصل الفكري والسياسي مع كافة القوى السياسية والوطنية؛ لتقريب وجهات النظر والوصول للقواسم المشتركة فيما يحقق المصالح العليا للبلد.

  5. الحرية: وتعني إفساح المجال للتفكير الإبداعي والنتاج الفكري والثقافي والبعد عن الاستبداد والطغيان ومصادرة الرأي المخالف خصوصا داخل المنظومة الحزبية الواحدة (الحزب).

  6. التوازن: ويعني إحسان التقديرات في الاهتمام بكافة الجوانب حتى لا يكون البناء السياسي مشوها؛ فلا يركز على جانب الاقتصاد مثلا على حساب الجانب الإعلامي، ولا الثقافي على حساب الاجتماعي وهكذا؛ فيكون البناء متوازنا لا عرج فيه ولا عوج.

  7. المرونة: وهي ضد الجمود والتعصب، والمقصود تبنّي سياسات وخطط تقبل التعديل والإضافات والتبديل خصوصا في أمر الوسائل والأزمنة والأمكنة.

  8. الشمول: ويعني أن يكون العمل السياسي شاملا لكافة النشاط الإنساني وإنتاجه الحضاري من فكر وثقافة وفنون بالإضافة إلى قضاياه المعنوية والمادية.

     

 

11- التنظيم السياسي وأنواعه ومهدداته:

 

التنظيم السياسي هو مجموعة من الناس اتفقوا أو توافقوا على الإيمان بفكرةٍ ما، انتدبوا أنفسهم متطوعين لنشر هذه الفكرة وما ينتج منها من مشروع؛ ضمن مؤسسة إدارية محددة ارتضوها والتزموا بلوائحها وقوانينها.

 

وتأخذ التنظيمات السياسية أشكالا عديدة وذلك مرتبط بعدة أمور:

 

أولها: أمر أيديولوجي حسب نوع الفكرة التي يقوم عليها التنظيم؛ حيث تؤثر على وضعه التنظيمي الحركي بين التغيير والترقيع.

 

وثانيها: النظام السياسي القائم في البلد له أثر في وضعية التنظيم وحركته بين السرية العلنية؛ حسب هامش الحريات عندما يتسع أو يضيق بين التعددية والشمولية، والتنظيم في بلد محتل غير التنظيم في بلد حر؛ خصوصا في الأهداف والحركة.

 

وأبرز أشكال التنظيمات السياسية: التنظيم الهرمي المفتوح، والتنظيم العنقودي المغلق، ويعتمد الثاني على نظام الخلايا المنفصلة عن بعضها البعض، ويلحق بهذا النوع من التنظيم الفردي ((الربط الخيطي)).

 

12-الاختراق:

 

وهو إحداث ثقب ما في جدار جسم ما بغرض الاطلاع على هذا الجسم من داخله؛ وهو يعني إدخال عناصر داخل الحزب ليست مؤمنة بأفكار ومبادئ الحزب؛ وهي لا تخلو من هذه الأربع:

 

  1. الاختراق من أجل جمع المعلومات: وهو زرع عنصر أو عناصر داخل الحزب بهدف جمع المعلومات عن هذا الحزب كنشاطه وتمويله، وهذه المهمة ينتدب لها شخص أو أشخاص يتمتعون بالدقة وشدة الحفظ، والذاكرة القوية؛ وهذا النوع من الاختراق دائما تمارسه الدولة (أجهزتها الأمنية) ضد الأحزاب المعارضة لمتابعة سيرها.

  2. الاختراق من أجل تغيير الوجهة والفكرة والأهداف: وهذا النوع من الاختراق ينتدب له مجموعة من الأذكياء وأصحاب قدرات عالية، ومهارات كبيرة ومتعددة في الفكر والسياسة والخطابة والتخطيط، وفوق ذلك القدرة علـى تأليف الناس حتى يتمكنوا من التسلق إلى القيادة، ومن ثم الانحراف بالحزب عن مساره؛ وهذا النوع من الاختراق تمارسه في الغالب منظمات دولية ذات أهداف تاريخية بعيدة المدى؛ مثل: الصهيونية والماسونية؛ لأن أهدافها لا يحدها زمان ولا مكان.

  3. الاختراق من أجل التفتيت وضرب تماسك الحزب: وهذا النوع ينتدب له أناس لهم القدرة على القيل والقال والاهتمام بنقد القيادة دائما، والتشكيك في قدراتها والاهتمام بالمسائل الخلافية وتضخيم الأخطاء، والعمل على صناعة التكتلات العنصرية داخل الحزب (جهوية قبلية عرقية ما إلى ذلك) لاستخدامها في الوقت المناسب للانشقاقات.

  4. الاختراق من أجل تصفية الرموز: وهذا النوع من الاختراق ينتدب له فريق عمل متكامل مهمتهم رصد حركة الشخصيات المستهدفة بشكل دائم وفي كل لحظة، ورفع ذلك للجنة متخصصة، ومن ثم تحديد الآلية المناسبة للتعامل معه.

     

     

     

 


رابط مختصر
الرابط المختصر انقر هنا

الرسالة الثامنة (مهارات العمل السياسي وفنونه)

ترك تعليق
التعليقات

الرسالة الثامنة (مهارات العمل السياسي وفنونه)